واسينى الأعرج بعد فوزه بـ«نوابغ العرب»: الجوائز تمنح الأديب رصيدًا إنسانيًا وتشعره بجدوى إنتاجه
فاز الروائى الجزائرى واسينى الأعرج بجائزة «نوابغ العرب»، التى تُمنح للمتميزين فى ٦ مجالات، منها الأدب والفنون، وذلك تقديرًا لأعماله التى تزيد على أكثر من ٣٠ رواية مرتبطة بالثقافة العربية، مجددًا أسلوبه فى الكتابة باستمرار، واستطاع أن يقدم منتجًا أدبيًا يضيف للمكتبة الجزائرية والعربية.
«الدستور» حاورت «الأعرج»، الذى تُرجمت أعماله إلى أكثر من ٢٠ لغة، وتم اعتماد دراستها فى عدد من الجامعات حول العالم، وحُوّلت بعضها إلى مسرحيات وأعمال سينمائية، والذى يشغل حاليًا منصب أستاذ كرسى فى جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون فى باريس.
■ بداية.. كيف كان شعورك حينما علمت بفوزك بجائزة «نوابغ العرب»؟
- أعتبر «نوابغ العرب» جائزة مهمة جدًا، وبالتأكيد أى جائزة مهمة للكاتب لأنها اعتراف. صحيح أن الكاتب قد لا يكون معنيًا بمثل هذه الاعترافات لكنها تأتى كمحصلة للجهد، وتبين أن ما نفعله له صدى عند القارئ، سواء القارئ المتخصص الذى يمنح الجوائز أو القارئ العادى.. لهذا أراها مسألة إيجابية.
وأرى أن الجوائز قوة دافعة للكتابة أو مواصلة العمل، وجائزة «نوابغ العرب» مهمة لأنها جاءت ضمن سياق عام شبيه بسياق جائزة نوبل، وبنفس النظام، وربما بنفس الطريقة فى البحث عن النوابغ المؤهلين للجائزة، وتأتى الجائزة كثمرة لتجربة، وتمنحك رصيدًا إنسانيًا، لأنك تشعر بأن كتاباتك تصل للقارئ المتخصص، وأن الأدب له جدوى فى العالم العربى الذى أنتمى إليه.
وعلى المستوى العربى فإن للجائزة صدى كبيرًا، وأتت ضمن منظومة أكبر، فهى جزء من مبادرة كبيرة من المبادرات التى تعيد للإنسان العربى عزته وكرامته، وتضع قدراته الإبداعية فى المنظور المرئى، أى أن هذا المبدع العربى لا يكتب فقط أو لا يفكر فقط أو لا يمارس الطب فى المختبرات فقط، لكنه يجب أن يعرف أنه سيشكل نموذجًا بالنسبة للذين يتابعونه أو الذين يقرأون له.
■ هل ترى الأدب العربى فى حاجة لمثل هذه الجوائز؟
- نعم.. وأنا أتمنى لهذه الجائزة التطور المستمر، حتى نرد على من يقولون إن العقل العربى أصبح عقيمًا وغير منتج.
أنظر للمثقفين والمفكرين والعلماء العرب الموجودين فى أوروبا والأمريكتين، وأرى أنهم يضطلعون بمهام أساسية فى المجتمع، ومنهم من يدير مؤسسات استراتيجية.. لماذا؟ لأنهم وجدوا الاهتمام الكافى الذى يمنحهم المكانة التى يستحقونها.
أما فى العالم العربى، فليس هناك عقم، بل إن المناخ العام لا يساعد المثقف، لذا يصاب بالإحباط، وأرى ضرورة مساعدة الأدباء لكى يواصلوا نشاطهم، ولتحريرهم من قسوة الظروف الحياتية.. هذا الدعم سيمنح الأديب فرصة لكى يكتب ويفكر وينتج، أى سيوفر له مناخًا مناسبًا، كالمعامل بالنسبة للعلماء.
والجائزة تضم ٦ تخصصات، هى: الطب والعلوم والهندسة والاقتصاد والأدب والفنون، لهذا فهى مهمة جدًا، وأعتقد أن العالم العربى حتمًا فى حاجة لمثل هذه الجوائز.. تدفق الكتابة مستمر، لكننا محتاجون دائمًا إلى تقييم، والتقييمات أهم ما فى لجان الجوائز التى تختار الناس الموهوبين والمؤثرين، وتستطيع أن تلعب دورًا إيجابيًا.
■ هل توقعت الفوز بالجائزة؟
- لم أتوقع حصولى على الجائزة، ولا أعتقد أن أحدًا من الذين فازوا بها من المهندسين والأطباء توقعوا أو فكروا أنهم سيفوزون بها، لكنها تأتى كمحصلة طبيعية للجهد الذى نبذله.
والجائزة مفيدة على المستوى الرمزى، لأنها تقلل من هذا القلق الوجودى، وتمنح الإنسان فرصة لأن يقول إن هذا العالم العربى لا يزال فيه بعض الخير على الرغم من الصعوبات التى يعانى منها، ولا تزال هناك مبادرات كبيرة وعظيمة تساعد المثقف العربى للانطلاق للأمام.
■ كيف تهتم بالرواية التاريخية؟
- اخترت طريقة كتابة تناسب الرواية التاريخية، فهى رواية لا نكتبها ونحن جالسون فى المكاتب نتأمل العالم، بل هى رواية صعبة وليست خيارًا سهلًا. والرواية التاريخية معرفة، وعلينا قبل أن نكتب أن نعرف العالم الذى نكتب عنه، وليس الأمر سهلًا وعاديًا مطلقًا، فالرواية التاريخية هى الجهد المبذول، وهذا التنقل المستمر بين مختلف الأمكنة حتى نستطيع تكوين رؤية، إضافة للرؤية التاريخية الموجودة والمتداولة.
هناك رؤية تاريخية شخصية طبعًا، وهى التى تسمح لى بكتابة عمل يسير وفق ما كنت أنتويه، أو وفق ما رأيته، لأن الحقيقة التاريخية العامة لا تكفى، لكننا نحتاج إلى الحقيقة التاريخية الذاتية لكى نكتب نصًا يعبّر عنا.
وهذا الأمر حاضر فى رواياتى مثل «الأمير»، والرواية الخاصة بـ«مى زيادة» و«عزت بيكاديلى» فى بيروت، وغيرها من الأعمال الأخرى، مثل «رماد الشرق» التى كتبت فى جزءين، وتتناول الوضع العربى من اتفاقية «سايكس بيكو» حتى سقوط البرجين التوأم فى نيويورك، وهذا كله يحتاج لعمل بحثى مستمر.
الرواية بالنسبة لى هى عمل استقصائى أيضًا، لكن الاستقصائى وحده لا يكفى لكنه ضرورى.
■ كيف ترى واقع الأدب العربى حاليًا؟
- الجهد العربى واضح، لكن للأسف لا أحد يمنحه الاهتمام الكافى، وليس هناك من يُقيّمه، وأرى أن جائزة «نوابغ العرب» تفطنت لهذه النقيصة الموجودة بالنسبة للثقافة والعلوم العربية، ومنحتها قيمتها من أجل مستقبل جيد وزاهر، وأنا أتصور أن العالم العربى فى حاجة ماسة لمثل هذه المبادرات.
■ ما رأيك فى مشروعات الترجمة من العربية للغات الأخرى؟
- بالنسبة للترجمة، أرى أن هناك مشكلة كبيرة فيها بعالمنا العربى، فنحن اليوم نترجم من الثقافات الأخرى أكثر ما نترجم لها.. هناك مثلًا هيئات ومؤسسات ذات قيمة، سواء فى الإمارات أو السعودية أو فى بلدان المغرب العربى، تترجم الأدب العالمى إلى اللغة العربية، وهذا جيد جدًا، وبالعكس أنا أراه وسيلة لتعميق العلاقة مع العالم الآخر، لأننا لسنا معزولين، وعلينا أن نعرف العالم ونستفيد منه كما كان الأوائل يقومون بذلك فى الفترة الأندلسية والفترة العباسية عندما كانت النصوص العظيمة العالمية تترجم للغة العربية.
لكن الجزء الثانى، وهذا هو المهم، كيف نترجم أعمالنا إلى اللغات الأخرى؟ وأتمنى وجود مبادرات لترجمة الأعمال التى ينتجها العرب إلى اللغات العالمية الكبرى، كـ«الإنجليزية والألمانية والإسبانية والصينية»، لأننا بهذا الوسيط نقدم ثقافتنا للآخر، وبدونه سنظل على الهامش وتظل قيمتنا محدودة، فنحن نريد أن يصل صوتنا ليس لعموم العالم العربى فقط، ولكن إلى الآخرين وينبههم بأن العرب ليسوا بركة جافة، ولكنها معطاءة وفيها عيون طيبة وحلوة وتستطيع أن تدعم البشرية فى المجالات العلمية أو المجالات الأدبية الثقافية العامة.