نقاش موضوعي
قضية اللاجئين أو «المقيمين» الأجانب فى مصر تستحق أن تدير حولها نقاشًا موضوعيًا، نقاشًا يستند لمعلومات وأرقام ووجهات نظر علمية، ليس سرًا أن هناك تزايدًا كبيرًا فى منشورات التواصل الاجتماعى المعادية لوجود تسعة ملايين مهاجر مؤقت فى مصر، هناك حسابات كثيرة ظهرت لتناقش هذه القضية، الفكرة أن الحسابات بطبيعتها غير معروفة وأصحابها مجهولون للرأى العام بدرجة ما، عيب هذه الحسابات أنه من الصعب التحقق من المعلومات التى ترد من خلالها أو حتى من دوافع أصحابها، عدد كبير منها مثلًا يبالغ فى عدد المهاجرين مؤقتًا إلى مصر، ويقول إنهم ١٦ مليون أجنبى.. فى حين أن آخر تصريح رسمى عن أعداد المقيمين الأجانب قال إنهم فى حدود تسعة ملايين، بعض هذه الحسابات أيضًا ينشر وقائع عن إساءة سمعها بنفسه من مقيم أجنبى ضد مصر والمصريين، الفكرة أن صاحب الحساب مجهول والمقيم المتهم بالإساءة نفسه مجهول، ولا يوجد أى دليل مادى أو رسمى على الواقعة من الأساس.. بعض الحسابات ينشر صورة ضوئية «سكرين شوت» لحساب يفترض أنه لأجنبى مقيم فى مصر يسىء إليها، لا الحساب له رابط إلكترونى، ولا صاحبه له اسم معروف، ولا هناك أى شىء ملموس يمكن الاستناد إليه.. وبالتالى نحن فى حاجة لإدارة نقاش علمى حول المقيمين الأجانب فى مصر وهل وجودهم يفيد الاقتصاد أم لا؟.. اللاجئون أو المقيمون الأجانب محور خلاف دائم فى كثير من دول العالم.. مَنْ يميلون لليسار بكل أطيافه بما فيه المعتدل يرحبون بوجود الأجانب ويرون فيه مزايا اقتصادية وواجبًا إنسانيًا وحقوقيًا، والذين يميلون لليمين بكل تنوعاته يتحفظون على وجود الأجانب، اليمين صعد منذ سنوات فى أوروبا بسبب الخوف من المهاجرين المسلمين تحديدًا، صعد اليمين فى فرنسا بعد طول سيطرة لليسار، وفى هولندا تولى الحكم وفى إيطاليا أيضًا.. إلخ، نحن فى مصر فى حاجة لوضع حجج الذين يرحبون بالمقيمين الأجانب ضد حجج من يعادونهم بشكل موضوعى بعيدًا عن التحريض والشائعات والأكاذيب وكل موبقات التواصل الاجتماعى.. المؤيدون مثلًا يرون أن استضافة المواطنين من الدول العربية الشقيقة جزء من دور مصر كشقيقة كبرى للعرب، وأنها تزيد من نفوذها الإقليمى، وأن كثيرًا من هؤلاء مصدر للعملة الصعبة، حيث يأتون برءوس أموال يبدأون بها مشروعات فى مصر، وأن من لا يعملون منهم يتلقون مساعدات من أبنائهم الذين هاجروا لأوروبا كل شهر بالعملة الصعبة، وأن وجودهم أنعش سوق العقار فى مصر، وأن هذه السوق مرتبطة بمئات الصناعات المساعدة وانتعاشها ينعشها أيضًا، خاصة أن مصر تعتمد سياسة تصدير العقار للخارج، وأن صاحب المطعم الذى ينجح ويفتتح عدة فروع يشترى المواد الخام من مزارع مصر، ويدفع ضرائب لحكومة مصر، ويسهم فى تشغيل العمالة فى مصر.. المعارضون أيضًا يمكن أن يطرحوا أسباب معارضتهم بشكل علمى وموضوعى، كان يقول أحدهم فى مناظرة إن هناك خوفًا على الهوية الوطنية المصرية، أو إن هناك شكوكًا حول الهوية السياسية لهؤلاء المهاجرين أو ربما بعضهم وليس كلهم بكل تأكيد، وإن هناك شكوكًا حول أن نجاحهم التجارى مؤامرة تقف وراءها رءوس أموال مشبوهة مثلًا! أو أنهم يشكلون ضغطًا على موارد البلاد من الغذاء والماء.. وهنا يلجأ الطرفان لأهل العلم.. فيدلى خبراء الاقتصاد برأيهم المبنى على الإحصاءات، ويدلى خبراء السياسة الخارجية بدلوهم حول هذه النقطة تحديدًا، ويعلن خبراء الأمن تقديراتهم وما إذا كانت هناك مخاوف حقيقية أم مبالغات؟.. وبالتالى يستطيع المجتمع أن يقف على أرض صلبة من الحقائق والمعلومات لا من المبالغات والشائعات، وتكون هناك إدارة لنقاش علمى بشكل متحضر لا شتائم متبادلة بين حسابات مجهولة وأسماء مستعارة.. هذه مجرد فكرة.. يمكننا أن نجربها ولن نخسر شيئًا.