محيى الدين والمبارك: اتساق العمل المناخى مع أهداف اتفاق باريس يستلزم التركيز على الحلول التحويلية
أكد الدكتور محمود محيي الدين ورزان المبارك، رائدا المناخ لمؤتمري الأطراف السابع والعشرين والثامن والعشرين، أن اتساق العمل المناخي مع أهداف اتفاق باريس، وتحقيق هدف الإبقاء على الاحتباس الحراري عند ١،٥ درجة مئوية، يحتاج إلى التركيز بشكل جماعي على الحلول التحويلية، بما يحقق قدرًا أكبر من الاستقرار والأمن والمساواة للجميع.
وقال محيي الدين والمبارك، في مقال مشترك نشرته منصة Sustainable Views البريطانية، إن العالم الذي تسيطر عليه الأزمات يحتاج للنظر إلى العمل المناخي بوصفه المجال لتوحيد الجهد والهدف، والوصول إلى مستقبل أكثر صحةً وأمانًا وعدلًا للجميع، فكلما أسرع العالم الخطى نحو معالجة تغير المناخ، كلما ذهب إلى أبعد من ذلك بتحقيق الاستدامة، والتغلب على انعدام الأمن الغذائي، وفقدان الموارد الطبيعية مثل الأرض والمياه، وتراجع العدالة الاجتماعية، وتزايد الديون الوطنية، وغير ذلك من الأزمات.
وأوضح محيي الدين والمبارك أنه أصبح من السهل متابعة الكيفية التي لم ينجح من خلالها العمل المناخي في تحقيق هدف اتفاقية باريس المتمثل في الحد من الاحتباس الحراري عند ١،٥ درجة مئوية، ففي الوقت الذي تكافح فيه الدول النامية من أجل الحصول على التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات، تتزايد آثار تغير المناخ، وتحطم درجات الحرارة الأرقام القياسية في عام ٢٠٢٣، وتضرب العواصف القاتلة أمريكا الوسطى وشرق آسيا والصين، وتمتد موجة الجفاف في إفريقيا لنحو عام، وغير ذلك من الآثار الخطيرة لتغير المناخ.
وشدد رائدا المناخ على أن الإبقاء على الاحتباس الحراري في حدود ١،٥ درجة مئوية يتطلب بالضرورة خفض الانبعاثات الكربونية إلى النصف وبناء القدرة على التكيف والصمود في مواجهة التغير المناخي، وإنهاء فقدان الطبيعة بحلول عام ٢٠٣٠، وصولًا إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام ٢٠٥٠.
سد الفجوة بين العمل المناخي والتنمية المستدامة
وعلى الرغم مما سبق، أفاد محيي الدين والمبارك بأن الكثير قد تغير منذ أن وضع اتفاق باريس عام ٢٠١٥ إطارًا يمكن من خلاله للدول تقييم التقدم المحرز وتكثيف العمل، فقد نجح مؤتمر الأطراف السادس والعشرين في المملكة المتحدة عام ٢٠٢١ في تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، كما نجح مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في مصر عام ٢٠٢٢ فى سد الفجوة بين العمل المناخي والتنمية المستدامة، بينما ينطلق مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين في الإمارات العربية المتحدة هذا العام من الأساس، الذي يمكن من خلاله قيادة التحول الشامل والعادل، وتشجيع الحكومات الوطنية والمحلية والشركات وجهات التمويل والمجتمع المدني والشباب والمجتمعات المحلية المهمشة على تسريع تنفيذ الحلول من الآن وحتى عام ٢٠٣٠.
وأكد رائدا المناخ على ضرورة منح صوت للناس وإشراكهم في الخطوط الأمامية لمواجهة تغير المناخ، بما في ذلك الشعوب الأصلية التي تحمي ٨٠٪ من التنوع البيولوجي، والمزارعون الذين ينتجون الطعام للبشر، والنساء المسئولات عن إطعام أسرهن، وبشكل أكثر تحديدًا، يتطلب العمل المناخي إحداث طفرات في ثلاثة حلول تحويلية، بما يتماشى مع رؤية رئاسة الإمارات العربية المتحدة لمؤتمر المناخ، الأول هو توفير وحشد التمويل الميسر مقبول التكلفة على نطاق واسع، فبالنسبة للدول النامية الأكثر احتياجًا إلى الاستثمارات، يعد النظام المالي العالمي الحالي غير كفء، وغير كاف، وغير عادل.
وفي هذا الصدد، شدد رائدا المناخ على ضرورة وفاء الدول المتقدمة بتعهدها بحشد ١٠٠ مليار دولار سنويًا بحلول عام ٢٠٢٥، حيث أدى الفشل في الوفاء بهذا التعهد حتى الآن إلى تراجع الثقة، كما أن الوفاء به يعد خطوة أولى نحو الوصول إلى تريليون دولار سنويًا من التمويل الخارجي، الذي تحتاجه الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية (باستثناء الصين) حتى عام ٢٠٣٠، بحسب تقديرات فريق الخبراء المستقل رفيع المستوى المعني بتمويل المناخ.
ونوه محيي الدين والمبارك عن تعهد دولة الإمارات العربية المتحدة في سبتمبر الماضي بتقديم ٤،٥ مليار دولار لمشروعات المناخ في إفريقيا، وهو ما يعني الحاجة إلى وجود منصة لتوزيع هذا التمويل، وأفاد رائدا المناخ في هذا السياق بأنهما على مدار العامين الماضيين عملا مع الرئاستين المصرية والإماراتية لمؤتمري الأطراف السابع والعشرين والثامن والعشرين ولجان الأمم المتحدة الإقليمية لعرض أكثر من ٤٠٠ مشروع قابل للاستثمار في البلدان النامية، والربط بين مطوري هذه المشروعات والمستثمرين. وفي مصر، تقوم المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية بتشجيع الاستثمار في الحلول العملية على المستوى المحلي.
أما الحل الثاني، بحسب محيي الدين والمبارك، فهو المسار السريع للتحول العادل والمنصف إلى الطاقة النظيفة، حيث يتطلب الوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري مضاعفة قدرات الطاقة المتجددة ثلاث مرات، ومضاعفة كفاءة الطاقة بحلول عام ٢٠٣٠، كما ينبغي أن يسير هذا الإجراء جنبًا إلى جنب مع توفير الطاقة النظيفة بتكلفة مقبولة لنحو ٧٦٠ مليون شخص لا يزالون يفتقرون إليها.
وقال رائدا المناخ إنه من شأن التعاون الأقوى واضح الأهداف بين القطاعات عالية الانبعاثات أن يجعل هذا التحول أسرع وأسهل وأقل تكلفة، كما يحتاج الهيدروجين الأخضر أيضًا إلى دفعة قوية بوصفه وقودًا بديلًا للصناعة الثقيلة والنقل، كما يمكن لمحطات الطاقة الشمسية في إفريقيا، على سبيل المثال، إنتاج ٥٠ مليون طن من الهيدروجين الأخضر بحلول عام ٢٠٣٥ مع وجود استثمارات بقيمة تريليون يورو، فضلًا عن توفير فرص وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي.
أما الحل التحويلي الثالث، وفقًا لمحيي الدين والمبارك هو وضع الطبيعة والبشر وسبل العيش في قلب العمل المناخي والتنمية المستدامة، فالحلول القائمة على الطبيعة بالفعل تتعامل مع نصف انبعاثات غازات الدفيئة بشرية المنشأ، كما يمكنها أن توفر ثلث الحلول الضرورية لخفض الانبعاثات بحلول عام ٢٠٣٠، مع تعزيز التكيف والصمود في الوقت ذاته، مع العلم بأن نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالطبيعة.
وأوضح محيي الدين والمبارك أن تعهد ١٠٠ دولة عام ٢٠٢١ بوقف إزالة الغابات بحلول عام ٢٠٣٠ أدى إلى تقارب أجندات عمل المناخ والطبيعة، كما حددت أجندة شرم الشيخ للتكيف التي تم إطلاقها العام الماضي الأهداف الأولى لبناء التكيف وإيجاد حلول التخطيط والتمويل في مجالات عمل رئيسية تشمل الغذاء والمياه والمحيطات.
وأفاد رائدا المناخ بأنه يمكن لمؤتمر الأطراف الثامن والعشرين البناء على هذا الزخم، من خلال تعظيم فوائد الأعمال التجارية الصديقة للطبيعة للعمل المناخي والتنمية المستدامة، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص والحكومات والمجتمع المدني.
وأكدا أنه من خلال تعزيز العمل على هذه الجبهات الثلاث يمكن كسر دوامة المناخ؛ والتي تؤدي فيها آثار التغير المناخي إلى تفاقم الأزمات العالمية، وتسرع الأزمات العالمية من تغير المناخ، وشددا على أنه كلما أسرع العالم في الاستفادة من العمل المناخي كمجال لتوحيد الجهد والهدف عالميًا، كلما أسرع في تأمين المزيد من الاستقرار والأمن والمساواة للجميع.