مصر التى رفضت
عندما تُرفع الأقلام وتجف الصحف سيذكر التاريخ أن مصر قالت لا لكل ما يمس ثوابتها القومية والوطنية، عندما يُكتب تاريخ هذه المنطقة سيذكر التاريخ أن مؤسسات هذه الدولة وقائدها وقفا فى وجه ضغوط تنوء بحملها الجبال دفاعًا عن عروبة فلسطين وعن أرض مصر.. عندما تُرفع الأقلام وتجف الصحف سيذكر التاريخ أن مصر لم يرهبها سيف المعز المتمثل فى قوات أمريكا المتدفقة على المنطقة، ولم يغرها ذهبه المتمثل فى وعود بالمليارات لحل أزمة رسمها الغرب أو ساعد فى صناعتها.. عندما تُرفع الأقلام وتجف الصحف سيذكر التاريخ أن مصر لم تُجد معها سياسة «العصا والجزرة»، فكسرت العصا وأشفقت على من يحاول تقديم «الجزرة».. عندما تُرفع الأقلام وتجف الصحف سيذكر التاريخ أن إسرائيل كانت تخشى تقديم اقتراحاتها السخيفة لمصر مباشرة فتوسط الأمريكيين تارة والأوروبيين تارة، وفى كل مرة كان رد مصر واحدًا وواضحًا وقاطعًا.. ليست لدينا أراضٍ للبيع أو للإيجار، وليست لدينا أسرار، ونرفض تهجير أهل فلسطين من أرضهم، ونرفض تصفية القضية الفلسطينية.. مهما كانت المغريات ومهما كانت الضغوط.. سيذكر التاريخ أن الموقف المصرى الصلب والقوى والعنيد أصاب إسرائيل بالتخبط واليأس والغضب المكتوم، فراحت تغير من صيغة الرسالة ومن شخص الوسيط.. فبعد أن رفضنا تهجير أهل غزة إلى مصر.. جاء مدير المخابرات المركزية ليقترح أن يكون لمصر دور أمنى فى غزة.. لكن مصر قالت مرة أخرى.. لا.. قوية وواضحة وناصعة.. لن نشارك فى قمع إخواننا فى غزة.. ولسنا شرطيًا لحساب أمريكا ولا غير أمريكا، وحل القضية هو العدل وليس قمع الفلسطينيين.. الحل هو إقامة دولة فلسطينية يشارك فى إدارتها كل الفصائل، ووقتها يمكن أن تدعم مصر هذه الدولة ومؤسساتها كما فعلت دائمًا.. سيذكر التاريخ أن مصر رفضت، أيضًا، وجود قوات غربية لحفظ الأمن فى غزة، وقالت إن ذلك لا يتفق مع ثوابت أمنها القومى.. سيذكر التاريخ أن الذين خططوا لأن تصبح مصر على الهامش أصبحوا هم على الهامش، فى حين مصر فى قلب قلب الحدث، وأن بعض الذين جحدوا قيمة مصر من العرب سيدركون مدى ما خسروا وقيمة ما خسروا.. إذ بينما يكتفى بعضهم بإضاعة الوقت والتظاهر بأن شيئًا لا يحدث فى غزة، تقود مصر المفاوضات وتجرى الوساطات وتمارس تأثيرًا لا تشتريه مليارات الدولارات ولا أضواء النيون الزائفة.. وكأن الأزمة جاءت لتؤكد أن الكبير كبير وأن الصغير صغير وأن هذه سنة الله فى أرضه ولن تجد لسنته تبديلًا.. سيذكر التاريخ أن مصر أدارت الأزمة بثبات انفعالى يليق برجالها، وأنها تحملت مزايدات وتفاهات مرسومة من لجان جماعة «الإخوان الصهيونيين» الذين يعملون لحساب من يدفع، والذين لعبوا أحقر الأدوار فى المزايدة على مصر لحساب إسرائيل ومَن وراء إسرائيل، وفى تضليل المواطن البسيط الذى يتعاطف مع فلسطين استجابة لحقائق التاريخ والجغرافيا، ولما تمت تربيته عليه فى تعليم وإعلام الدولة المصرية نفسها، والتى يزايد عليها السفهاء والخونة والمأجورون؛ محاولين إخفاء موقفها الشريف والصلب والرافض أى تصفية لقضية فلسطين.. سيذكر التاريخ أن الإسرائيليين ارتعدت فرائصهم فراحوا يهذون بالأكاذيب حول عداء مصر لهم وخطر قوة جيش مصر عليهم، غير مدركين كم سيكون الخطر لو غضب هذا الجيش حقيقة وفتح كتاب الحرب ليقرأ فيه، بدلًا من كتاب السلم المفتوح حاليًا.. سيذكر التاريخ أن وساطة مصر ستنهى القصف وتفرض الهدنة دون تفريط فى أى ثابت من ثوابت القضية، ودون تهجير أهل غزة من أرضهم، وأن ما تقوله مصر حول ضرورة حل الدولتين سيصبح حقيقة واقعة برعاية مصر ووساطة مصر وقوة مصر.. فيا أيها المتشبثون بأذيال ثوب إسرائيل، أعيدوا حساباتكم لأنها لحسن الحظ كانت خاطئة، وعودوا لعروبتكم لأنها كانت حماية لكم وللأجيال الجديدة منكم.. أنصحكم بالبحث عن أغنية صوت الجبل وديع الصافى التى يقول فيها «إذا مصر قالت نعم فاتبعوها وإن هى قالت لا فاسمعوها».. هذه ليست مجرد أغنية، ولكن تعليمات نجاة.. فاتبعوها.