رئيس جهاز أمن الدولة الإسرائيلى السابق: إسرائيل فشلت استخباراتيًا فى كشف خطط حماس
أكد عامي يعلون، رئيس جهاز أمن الدولة الإسرائيلي السابق "شين بيت"، أن هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الجاري كشف عن إخفاقات الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو في تقييم خطط حماس العملياتية أو توقيتاتها التنفيذية، كما كشف عن فشل الرؤية العسكرية الإسرائيلية على صعيد العمل الاستخبارى اللازم للتعامل مع تهديدات الجانب الآخر.
وقال يعلون، الذى سبق له قيادة القوات البحرية الإسرائيلية- في مقابلة مع صحيفة "ذى جلوبز"، التي تصدر في تل أبيب، "إن إسرائيل فشلت في تشغيل عناصر التخابر البشري، وعجزت عن تحقيق اختراق استخباراتي في الجناح العسكري لحركة حماس، وكذلك أخطأت الاستخبارات الإسرائيلية في الإسراف في الاعتماد على نظم الاستخبارات الإشارية، من خلال اعتراض ومراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية والرقمية لحماس، فكان ذلك نقطة قوة في صالح حماس، التي تبنت أعلى درجات الحفاظ على السرية العملياتية".
وأضاف: "نحن من ترك حماس تقوى إلى الحد الذي قدرت معه على شن حرب، لقد سعينا إلى التأكد أن لديها القوة الكافية للوقوف فى وجه السلطة الفلسطينية؛ لكى لا تقوى تلك السلطة في مواجهة إسرائيل، وفى الحقيقة كانت رؤيتنا تلك فاشلة، حيث تجاهلنا حقيقة حماس التي انفجرت في وجه إسرائيل"..لافتا إلى أن إسرائيل ما بعد السابع من أكتوبر ستكون مختلفة تمامًا عمَّا قبله، وستحتاج إلى سنوات لإعادة البناء وتأهيل منظوماتها الأمنية والدفاعية، التي انهارت وأزهق انهيارها حياة أكثر من 1400 إسرائيلي بصواريخ حماس.
ونفى يعلون أن تكون الحرب على غزة هى "حرب دينية".. مؤكدًا أنها "حرب دفاعية".. مطالبًا بضرورة تفكيك حماس سياسيًا وعسكريًا مستقبلًا، وعدم تجاهل تجذر أفكارها فى عقول الملايين، وهذا ما لا يمكن تفكيكه بقوة السلاح والقضاء عليه، ولكن بأفكار وبأيديولوجية مناقضة، وهو أمر يحتاج إلى أفق سياسى يتبنى فض الاشتباك مع الفلسطينيين من خلال تسوية سياسية أيا ما كان مسماها.
ورأى أنه لحين التوصل إلى ذلك- أي تفكيك حماس سياسيًا وعسكريًا وأيدولوجيًا- سيكون هناك فترة انتقال يجب أن تكون مدعومة دوليًا وعربيًا وبتنسيق كامل مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية، بعد ذلك ستتدفق الأموال من كل بلدان العالم لإعادة بناء وإعمار غزة، وأنه خلال الفترة الانتقالية يتعين تعزيز السلطة الفلسطينية بعد إصلاح أوضاعها من خلال انتخابات ديمقراطية لشحذ قدرتها.
وطالب القيادة الحالية إلى الاختفاء من حياة الإسرائيليين.. قائلا: "لقد ساقتنا تلك القيادة وأعيننا مفتوحة إلى أبشع أزمة في إسرائيل منذ قيام الدولة، وسيحتاج الأمر بالنسبة للشعب الإسرائيلي إلى لسنوات طوال؛ لكي يستعيد ثقته في قيادته السياسية، والتي يري كثيرون أنها أضاعت مستقبل إسرائيل والإسرائيليين".
وعلى صعيد الجبهة الداخلية.. أفاد يعلون بأنه لا توجد حكومة يشعر بها الإسرائيليون، حيث يوجد ثلاثة أبناء من كل أسرة إسرائيلية تقريبا في الخدمة العسكرية في الوقت الراهن على الجبهات الجنوبية والشمالية لإسرائيل، وغالبا ما يتم استدعاء الآباء والأحفاد أيضًا إلى خدمة الاحتياط، التي تمتد حتى الخمسين من العمر لعموم الإسرائيليين".
واعتبر أن الأمر الأكثر أهمية، في الوقت الراهن، هو تفهم عدم القدرة المحتملة من جانب الحكومة الإسرائيلية الحالية على تلبية مطالب واحتياجات الإسرائيليين الذين بات عليهم تنظيم أنفسهم بأنفسهم للدفاع عن أنفسهم؛ فصار من حقهم- وليس للعسكريين فقط- الحصول على ميداليات البطولة الحقيقية، وهو ما لا تتيحه القوانين الإسرائيلية.. قائلا: "لن يجرؤ أحد بعد اليوم، ولمدة طويلة، على الحديث عن بطولاته، المدنيون والجنود البسطاء أيضًا وليس القادة فقط الأبطال الحقيقيون".
وحول الإخفاقات الأساسية لإسرائيل التي تكشفت في السابع من أكتوبر الجاري..قال يعلون "إن في مقدمة تلك الإخفاقات انهيار كل الفرضيات السياسية التي تبنتها إسرائيل لعقود، والقائمة على التمييز بين وضعية الضفة الغربية، وبين وضعية قطاع غزة، وهو ما يكشف عن جهل من جانب صناع السياسات في حكومة نتنياهو حول طبيعة بنية حماس وترك المجال أمامها مفتوحا لجمع الأموال"..لافتًا إلى أنه سبق له تنبيه نتنياهو إلى خطورة سياسة إضعاف السلطة الوطنية الفلسطينية عبر تقوية شوكة حماس فى قطاع غزة وتركها تبسط سيطرتها عليها.
وأشار إلى أن كل مديرى جهاز شين بيت رفضوا ذلك التمييز بين غزة والضفة، وحذروا السياسيين من خطورة ذلك وتداعياته المحتملة.. معتبرا أن من أخطاء السياسيين في إسرائيل تبنى أسلوب إدارة الصراع مع مسلحي غزة، أو الحد منه، والاعتقاد أنه بالفصل بين حماس في غزة والسلطة الفلسطينية فى رام الله سيكون لدى المفاوض الإسرائيلى القدرة على الزعم بأن هناك انقساما في الصف الفلسطينى للوصول إلى اتفاقات ملزمة.. معتقدين أن ذلك هو السيناريو الأمثل طالما ظلت إسرائيل قادة على استيعاب موجات العنف التي تنطلق ضدها من غزة كل عام أو عامين تقريبا.
وقال يعلون: “بعد الضربة التى تلقتها حماس في مايو 2021 "عملية حراس الجدار" سلمت إسرائيل بحكم حماس لقطاع غزة، واعتقدنا كذلك- بصورة خاطئة- أن حماس لا تسعى فقط سوى الاحتفاظ بحكم غزة، وأنه إذا تركتها إسرائيل تحكم القطاع فإنها لن تفكر في محاربتنا والمخاطرة بالتخلى عن حكم غزة فى سبيل محاربة إسرائيل.. وقد كان ذلك هو عين الخطأ في التقديرات الاستخبارية لإسرائيل، وكذا تقديرات حكومتها وجيشها، وهو خطأ ينم عن فهم خاطىء لحماس ونواياها الحقيقية".
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن "يعلون" يتمتع برؤية صائبة للحقيقة الأوضاع في إسرائيل، حيث أسندت إليه مهمة الإشراف على أخطر أجهزتها الأمنية الداخلية "شين بيت" فى أعقاب اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين وتعامل باحترافية شديدة ضد موجة هجمات حماس الصاروخية ومفجريها الانتحاريين في تسعينيات القرن الماضي، وبعد انتخابه عضوا فى الكنيست عن حزب العمال الإسرائيلي تولى رئاسة لجنة الشئون الخارجية والدفاع إبان الحرب الإسرائيلية الثانية على لبنان في العام 2006 وهو ما أتاح له مقعدا في المجلس الأمني المصغر في حكومة إيهود أولمرت.