"لا يُسمح لنا حتى بالحزن".. كيف يعيش الأمريكيون الفلسطينيون بالولايات المتحدة الآن؟

كونهم أمريكيين من أصل فلسطيني يجعلهم يشعرون بالخذلان بشكل مضاعف، وكأن موت شعبهم لا يهم قادة أمريكا، البلد الذي يعيشون فيه ويحملون أوراق هوية كمواطنين فيه.

ويقول العشرات من الأمريكيين الفلسطينيين من جميع أنحاء الولايات المتحدة إنهم في حالة حداد على غزة رغم أنه لا يُسمح لهم حتى بالحزن، بينما يشعرون بأن بلدهم قد تخلى عنهم تمامًا، علاوة على ذلك، فإنهم يخشون تصاعد المشاعر المعادية للفلسطينيين وكراهية الإسلام.

وأدى القصف الإسرائيلي على غزة إلى مقتل أكثر من 5000 فلسطيني، حسب مسئولين فلسطينيين، وقُتل نحو 100 آخرين في الضفة الغربية، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من مليون شخص في غزة نزحوا داخليا.

وعلى مدى أسبوعين أدى "الحصار الكامل"، الذي يفرضه الاحتلال على غزة، إلى منع دخول الغذاء والإمدادات الطبية والوقود، ولا تزال الكهرباء والمياه مقطوعة، لكن يوم السبت الماضي، ووفقا لجماعات حقوق الإنسان، فإن غزة تعاني من أزمة إنسانية، نتيجة مباشرة للقصف الإسرائيلي و"الحصار الكامل" للقطاع، وخلال عطلة نهاية الأسبوع، بدأت أولى الشاحنات المحملة بالمساعدات بالتدفق من مصر إلى غزة.

طارق: أراقب عائلتي في غزة وهي تتعرض للقتل يوميًا

وكشف طارق لوثان، مواطن أمريكي فلسطيني، في حديثه للإذاعة الوطنية العامة "إن بي آر" الأمريكية، عن أنه منذ أكثر من أسبوعين لم يتمكن من النوم في منزله في مدينة ديترويت، مضيفا: "بالكاد أملك الوقت للانخراط في الحياة بينما أراقب منزل عائلتي في غزة وهو يُسوى بالأرض، قطعة تلو الأخرى، وتغمره صور القنابل والأنقاض وأجساد الضحايا، مما يجعلني مدمرًا ومذعورًا، في بعض الأحيان أشعر بعدم الاتزان".

وقال لوثان، الذي يعمل مهندسا للبيانات في الولايات المتحدة وشاعر ومنظم مجتمعي للأشخاص ذوي الإعاقة أيضا، إن كونك أمريكيًا فلسطينيًا في هذا السياق يعني أن تشعر بالمحو، وكأن موت شعبك لا يهم، مضيفا: "منذ أن بدأت الحرب أشارك على زووم لإرسال رسائل نصية جماعية مع منظمين آخرين، لوضع استراتيجية أفضل طريقة للدعوة إلى وقف إطلاق النار ووقف القصف، حيث إن حوالي 75% من عائلتي يعيشون في غزة وحتى الآن هم أحياء.

وتابع: "إنني أشاهد حرفيًا عائلتي تتعرض للقصف ثم تشتعل فيها النيران هل هم يستحقون ذلك لماذا يتم الزج بالفلسطينيين الأبرياء مثل عائلتي؟".

هاني: لا يُسمح لنا حتى بالحزن

ولطالما دعمت الولايات المتحدة للكيان الإسرائيلي دبلوماسيًا وعسكريًا وماليًا، وواصلت واشنطن هذا الدعم حتى في الوقت الذي وصفت فيه بعض جماعات حقوق الإنسان ما يحدث للفلسطينيين في أجزاء من الأراضي المحتلة، بما في ذلك غزة، بالفصل العنصري.

يعمل هاني المدهون في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (أونروا)، منظمة الإغاثة الرئيسية في غزة، لذا فهو يعرف كيف تسير الأمور على أرض الواقع في فلسطين، لكنه كان في زيارة بالولايات المتحدة، خلال اندلاع القصف الإسرائيلي الدامي على غزة، ويقول: "حتى لو أردت الذهاب إلى غزة، لا أستطيع ذلك، وإذا أردت إخراج عائلتي من غزة، فلن أستطيع ذلك.

وقال المدهون إن بعض أفراد عائلته ذهبوا إلى الجنوب، بعد أن أجبر قادة الاحتلال مليون فلسطيني بمغادرة مدينة غزة، وبقي الأعضاء الآخرون معًا على حافة شمال غزة لأن الإسرائيليين قصفوا الجنوب أيضًا.

وأوضح أن معظم أفراد عائلته يتجمعون معًا في مبنى سكني، ويبتعدون عن النوافذ أثناء النهار، وينامون تحت السلالم ليلًا، مدركين أنهم قد يموتوا في أي لحظة.

وعندما تواصل المدهون أخيرًا مع والدته بعد أسبوع من القصف، طلبت إجراء مكالمة فيديو حتى تتمكن من رؤية وجهه، في حال كانت هذه هي المرة الأخيرة، وقال: "طلبت مني أختي أن أتبنى ابنتها إذا تعرضوا للقصف ونجت ابنتها".

وخلال عطلة نهاية الأسبوع، فقدت زوجة أخيه 12 فردًا من عائلتها في غارة جوية على منزلهم، لقد رحل جميع إخوتها، ولم يتمكنوا من العثور على والدها تحت الأنقاض، حسبما كشف المدهون لـ"إن بي آر".

قبيل تصريحاته لـ"إن بي آر"، كان المدهون قد شاهد للتو مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، شاركه صديق وزميل في غزة، وظهر فيه جثث ما لا يقل عن 20 من أفراد عائلة صديقه، جميعهم قتلى، مشيرا إلى إن الأمر لا يقتصر على قصص الخسارة والرعب التي يسمعها من غزة فحسب، بل إنه أيضًا ما يشعر أنه رد فعل قاسٍ على تلك الفظائع من قبل الناس هنا في الولايات المتحدة، ويقول: "لا يُسمح لنا حتى بالحزن".

وأضاف هاني المدهون أنه يشعر وكأن الحكومة الأمريكية قد تخلت عن الفلسطينيين في غزة والولايات المتحدة: "الفلسطينيون في غزة يموتون ولا يبدو أن أحدًا يهتم".

ويشعر المدهون بأن الخطاب السياسي في الولايات المتحدة قد أدى إلى عزله هو وأمثاله، قائلا: "إنه تجاهل واضح للغاية للحياة البشرية"، مضيفا: "لقد أثاروا الخوف في قلوب الأمريكيين، لقد جعلونا حيوانات ووحوش وبرابرة وركضت وسائل الإعلام معهم، وجعلونا نخاف من التحدث علنًا".

وأوضح المدهون أن الخطاب الأمريكي والغربي جعل من المحتم أن يواجه الأمريكيون الفلسطينيون العنف في الولايات المتحدة، لقد شعر بالصدمة، لكنه لم يتفاجأ، عندما تعرضت عائلة أمريكية فلسطينية في شيكاغو لهجوم من قبل مالك المنزل في 15 أكتوبر وأصيبت الأم حنان شاهين بجروح بالغة، وقُتل ابنها وديع الفيوم البالغ من العمر ستة أعوام.

رانيا: طُلب من الأمريكيين الفلسطينيين الصمت تمامًا

أما رانيا مصطفى، المديرة التنفيذية لمركز الجالية الفلسطينية، وهي مجموعة مناصرة في نيوجيرسي، فقالت إن التعاطف ليس هو الشيء الوحيد الغائب عن الخطاب، مضيفة أن العديد من المحادثات التي تجري هنا في الولايات المتحدة تفتقد السياق الرئيسي.

وتقول مصطفى إن الساسة ووسائل الإعلام والثقافة الأمريكية عالقون في ما تسميه رواية كاذبة مفادها أن هذا الحصار الأخير بدأ بهجوم حماس - عندما سبقت هذه اللحظة عقود من التاريخ المعقد، وهذه هي المرة الخامسة التي يخوض فيها الاحتلال حربًا أو صراعًا مع غزة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية، لكن التاريخ يعود إلى أبعد من ذلك، إلى "النكبة" - التهجير الجماعي لـ700 ألف فلسطيني أثناء إنشاء دولة الاحتلال.

أضافت أنها منذ 7 أكتوبر، كانت تتلقى مكالمات هاتفية من أمريكيين فلسطينيين اتصل بهم رؤساؤهم، وطلبوا منهم ألا يقولوا أي شيء، ولا حتى الدعوة إلى إنهاء القصف، لأنه قد يُنظر إليه على أنه معاد للسامية.

وتابعت: "هناك خطاب ضخم حول التحدث لصالح الفلسطينيين أو ضد الاحتلال، لأنه كما يزعمون أمر معاد للسامية. إنه ليس كذلك"، مشيرة إلى أن هناك يهودًا أمريكيين وإسرائيليين يتحدثون ضد الاحتلال الإسرائيلي والحرب.

واستطردت إنها تسمع أيضًا من الأشخاص الذين تم فصلهم من العمل أو تعرضوا للاستقصاء، إنها تستمع إلى الآباء الذين أرسلت مدارس أطفالهم رسائل إلى المنزل تضامنًا مع الإسرائيليين، لكنهم فشلوا في الاعتراف بأرواح الفلسطينيين المفقودة، أو الحزن الفلسطيني المستمر.

ولفتت إلى إن الفلسطينيون في الولايات المتحدة يشعرون بالمحو والخوف، ويخافون حتى من التحدث عن مخاوفهم، مضيفة إن الأمر يشبه رهاب الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر مرة أخرى، قائلة: "أعتقد أن هذه مرة أخرى تتم فيها معاقبة الأمريكيين من أصل فلسطيني لكونهم فلسطينيين".