ماذا قدم علماء الأزهر للدولة المصرية خلال حرب أكتوبر؟
مع إعلان قيادة القوات المسلحة المصرية بدء عمليات تحرير سيناء في 6 أكتوبر 1973م، سارع علماء الأزهر إلى تنفيذ المهام الموكلة إليهم لدعم الجهود الحربية، فقد انتشر عدد كبير من كبار العلماء والمشايخ في مساجد مصر لإلقاء المحاضرات والخطب التي تحث على الجهاد وتبرز مشروعية الحرب، مستندين في ذلك على الأدلة الشرعية، كما شارك آخرون في جمع التبرعات المادية والعينية لدعم جهود الحرب، إلى جانب المساهمة في اللجان الشعبية التي نشرت التوعية بأهداف الحرب.
وقدم بعض علماء الأزهر مبادرات فردية من خلال التطوع للخدمة العسكرية أو زيارة الجنود في الجبهة لتعزيز روحهم المعنوية، فقد انتشر المشايخ في كافة أرجاء البلاد لشحذ الهمم وتعبئة الجماهير خلف قضية الحرب، فكان لعلماء الأزهر الفضل في تعبئة الرأي العام خلف قيادة البلاد، مستندين في ذلك على سلطتهم الدينية والمعنوية بين صفوف الشعب.
وفي السطور التالية نتحدث عن عدد من المشايخ الذين كان لهم دورًا كبيرًا في انتصار أكتوبر 1973م، وذلك وفقًا لشهادة الشيخ أحمد ربيع الأزهري، الباحث فى التاريخ والمنهج الأزهري، في دراسة له عن "دور الأزهر في تحقيق نصر أكتوبر المجيد..قراءة فى فقه التهيئة النفسية والمعنوية للجنود".
"المأمون" ومنع البترول
يُعد الإمام الأكبر الراحل الشيخ حسن مأمون أول من اقترح فكرة منع تصدير البترول للعدو الإسرائيلي قبل حرب أكتوبر بـ6 سنوات، ففي نداءاته آنذاك، طالب المسلمين بوقف تصدير البترول لدول الغرب لمساندة مصر في حربها، مشددًا على أن مصر لا تحارب إسرائيل وحدها بل تواجه أمريكا وبريطانيا أيضًا.
وبالفعل بعد تلك النداءات، أوقف حكام الدول العربية تصدير البترول للغرب مما كان له أثر كبير في تحقيق انتصار حرب أكتوبر، وبعد نجاحه في تطبيق اقتراحه، واصل توجيه نداءاته للحكام العرب، مناشدًا عاهل ليبيا آنذاك بإغلاق القواعد العسكرية الأجنبية، واستمر في مطالبته حتى قامت الثورة في ليبيا وحققت طموحه.
لقد كان الشيخ حسن مثالًا لعالم أزهري يناضل بالكلمة لتحقيق مصلحة أمته، فكانت نداءاته سببًا مباشرًا في تقوية مصر في حرب أكتوبر المجيدة.
"الفحام" يعبر القناة ويصلي فيها
في العام 1969م، تولى الشيخ محمد الفحام مشيخة الأزهر، وكانت هذه بداية رحلة فريدة من نوعها، فقد اعتبر نفسه جنديًا في ساحة القتال، حيث كانت مهمته جمع شعب مصر حول هدف واحد هو تحرير سيناء، فكان يدرك أن الوحدة والتضحية هما السلاح الأقوى في مواجهة أي تحدي، لذلك، عمل على تفعيل هذه الروح في نفوس المصريين، ولم يكتفِ بالتعبير عن دعمه للقضية، بل قرر أن يقود الجهود الرامية لرفع الروح المعنوية للجنود والضباط المصريين في سيناء.
وفي 11 أبريل 1972م، قام "الفحام" برفقة نخبة من علماء الأزهر بزيارة الجبهة، وكانت هذه الزيارة تهدف إلى إعطاء الدعم الروحي والمعنوي للجنود في ساحة المعركة، وكان الجميع متأكدين أن رؤية الشيخ الفحام وعلماء الأزهر الأجلاء سيكون لها تأثير كبير على قوة وإصرار الجنود، ولكن على الرغم من نجاح الشيخ في تحقيق تجميع الشعب المصري ورفع الروح المعنوية، فإن الظروف الصحية أجبرته على الاستراحة وطلب ترك المشيخة في مارس 1973، ودعا الله بأن يكون له فرصة للصلاة في عمق سيناء.
وها هو الله يستجيب لدعاء الشيخ "الفحام"، ففي رحلة استثنائية، عبر الشيخ الفحام القناة ليصل إلى عمق سيناء ويصلي هناك، ولم يكن وحده في هذه الرحلة، بل كان بصحبته لفيف من علماء الأزهر الأجلاء وكبار قادة الجيش الثالث.
"عبدالحليم" يبشر "السادات" بالنصر
منّ الله على الشيخ عبدالحليم محمود، برؤية فيها بشرى بانتصار الجيش المصري في حربه ضد العدو الإسرائيلي، فانطلق مسرعًا نحو الرئيس السادات يروي له ما رأى، مؤكدًا له أن هذه الرؤيا تشير إلى نجاح الجيش المصري في عبور القناة، مقترحًا عليه اتخاذ قرار الحرب فورًا، مؤكدًا له أن النصر سيكون حليف الجيش المصري. وقد استجاب الرئيس السادات لهذا الاقتراح وأعلن الحرب.
استعان "محمود" بعدد من أساتذة جامعة الأزهر والعلماء والمشايخ لتعزيز الروح المعنوية لأبطال القوات المسلحة، فنزل الجميع إلى ساحة القتال لدعمهم وتثبيتهم معنويًا، عندما اندلعت الحرب، توجه إلى منبر الأزهر الشريف وألقى خطبة شجع فيها الجماهير والحكام على الوقوف صفًا واحدًا وراء القوات المسلحة في معركنهم ضد العدو الصهيوني، داعين المصريين للالتفاف حول قائد الجيش والضرب بقوة على كل من يحاول تفريق الأمة وبث الفتنة بين أبنائها، ضاربًا المثل بغزوة بدر الكبرى التي جمعت المسلمين حول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم كمثال للوحدة والتلاحم.
وأعلن تلك المعركة مفروضة على جميع الدول الإسلامية، فهي جهاد في سبيل الله، وكل من يموت فيها شهيد وله الجنة، مشيرًا إلى أن أي دولة تقصر في دعم مصر في هذه الحرب فهي تخالف تعاليم الله ورسوله.
"الشعراوي" يشعل الحماس في الجنود والقادة
لم يقل دور الشيخ محمد متولي الشعراوي أهمية عن غيره من مشايخ الأزهر الأجلاء، فقد كانت كلماته كالنار في الهشيم في نفوس الجنود والقادة، فكان يتقدم عبر الصفوف المنظمة من الجنود، ويتوقف أمامهم وجهًا لوجه، ويحمل في عينيه النور والثبات، وفي يديه رسالة أمل وتحفيز لهؤلاء الرجال الشجعان، فيبدأ حديثه بكلمات تنبعث من قلبه المشتعل بحب الوطن والإيمان.
ومن كلماته، التي تم إذاعتها في تسجيل نادر له: "أنا ومهمتي وأنتم ومهمتكم، نلتقي في أننا جميعًا جنود الحق أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان"، فتنفث كلماته نار الحماس والإلهام، تملأ قلوب الجنود بالثقة والقوة.
ويواصل الشيخ الشعراوي خطابه، موجهًا انتباههم إلى معنى الحق والباطل والمعركة التي يخوضونها، فقال: "الحق لا يصارع إلا باطلًا، والباطل يتمثل في أمرين؛ الباطل الأول يقوم على فهم خاطئ يملكه الدليل الخاطئ، والباطل الثاني يقوم على الجهل واللجاج والمكابرة، ومن واجب الحق أن يكون له لسان يقوم بالحق والبرهان، ليستمع إليه العقلاء ويرتدع الجاهلون والمتكبرون".
فينصت الجنود إلى كلمات الشيخ متولي الشعراوي، ويسري فيهم روح الإصرار والإيمان، ويدركون أنهم ليسوا مجرد جنود عاديين، بل هم حماة الحق والعدل، يحملون راية الوطن ويدافعون عن قيمه ومبادئه، وهكذا وفر لهم "الشعراوي" الدعم الروحي والعقلي الذي يحتاجونه في هذه المعركة الحاسمة.
وانطلقت الصفحة الرسمية للأزهر الشريف، عبر منصاتها المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، في نشر عدد من الفيديوهات لشيوخ عاصروا فترة الحرب، يتذكرون فيها هذا الوقت العصيب ويفتحون صندوق ذكرياتهم، وذلك عبر سلسلة عمائم الأزهر على جبهة النصر.