مذكرات "محمود تيمور" بين أهل الفن والأدب والسياسة ورصد عصره
محمود تيمور، واحد من أبرز العلامات المضيئة في تاريخ الأدب المصري في القرن العشرين، غادر عالمنا بمدينة لوزان في مثل هذا اليوم من العام 1973، ينتمي إلى أسرة خرج منها الكثير من رموز الأدب المصري، والده أحمد باشا تيمور، صاحب موسوعة «الأمثال الشعبية المصرية»، وشقيقته الشاعرة عائشة التيمورية، وشقيقه محمد تيمور من رواد الكتابة المسرحية.
يروي محمود تيمور، في مذكراته المنشورة مسلسلة بمجلة الكواكب الفنية عام 1964، بعضا من سيرته الذاتية، والمواقف والأشخاص، الأماكن والمواقيت التي عاصرها ومرت في حياته، ومن بين هذه الشخصيات، المطرب «محمد سالم العجوز»، وعنه يقول «تيمور»: "من عجائب حياة محمد سالم العجوز أنه لم يكن يأكل إلا أكلة واحدة دسمة في الأربع والعشرين ساعة وهي وجبة الغداء، وكان مطعمه المفضل لهذه الأكلة هو (حاتي سيدنا الحسين)، ولم يكن يوجد في مصر محل محترم لشواء اللحم غيره، أما غداء محمد سالم العجوز فكان ثلاثة أرطال لحمة حمراء مشوية يتناولها دفعة واحدة، ويكرع معها بعض أقداح الماء البارد، ثم يمسح فمه ويترك المحل حامدا الله علي نعمته".
ــ محمود تيمور يتذكر مجلس «الأسطي شهدية»
ويضيف محمود تيمور: «كان محمد سالم العجوز بطل حفلاتنا الغنائية وحفلات الرجال، إذ كانت هناك حفلات أخرى كان يقيمها المرحوم الوالد للحريم خاصة ولا يحضرها لا هو ولا أصدقاؤه، بل كانت وقفا علي السيدات ونحن الأطفال. وكانت بطلة هذه الحفلات مغنية مشهورة في ذلك العهد اسمها (الأسطي شهدية)، لا تزال صورتها العجيبة مرتسمة في رأسي، ومازلت أذكر جلستها المتراخية على (الشلتة)، في حلتها الوردية المقصبة وحلاها التي تزحم صدرها ومعصمها، ملطخة الوجه بالأحمر والأبيض، والخطوط والكحل في عينيها تحت خواجبها الغليظة، ومعها (السنيدة) من السيدات يرددن معها النغم في صوت رتيب وكأنهن في حلقة ذكر”.
ــ حكايات محمود تيمور مع الفونوغراف والمسرح
ويمضي محمود تيمور في مذكراته: «ولما ورد (الفونوغراف) إلى مصر كان المرحوم والدي من أوائل من أحضره لدارنا، ولم تكن ثمة أسطوانات عامة يشتريها الإنسان جاهزة، ولكن كان على صاحب الفونوغراف أن يسجل هو للمغنين وغير المغنين الذين يختارهم، فكان لكل صاحب فونوغراف أسطواناته الخاصة. وقد سجل المرحوم والدي لبعض مغني مصر، ولكن الذي فاز بالنصيب الأوفي من تسجيلاته هو محمد سالم العجوز. وقد سجل أيضا شيئا كثيرا غير الأغاني. وكان يهتم بتسجيل المواويل ونداءات الباعة والذكر والمداحين. ولم يترك حتي راقص الودع السوداني لكن كل هذا اندثر، والذي يبدو لي أنه أهمله بعد وفاة المرحومة الوالدة، وأصابته بمرض القلب إذ نزح إلى ضاحية عين شمس وقصر اهتمامه علي الكتب ورياضة ركوب الخيل في الصحراء، وقل وندر تردده على المسارح. وكنا نحن الذين ندعوه ليصحبنا من وقت لآخر فنشاهد عكاشة وجورج أبيض، وكانت روايته المفضلة في ذلك العهد (الشيخ متلوف) لعثمان جلال بالزجل عن موليير، فكان لا يمل من حضورها، وقد حضر للمرحوم شقيقي محمد روايته الأولى (العصفور في القفص) و في أول حفلة لها، وكان يقوم بالأدوار المهمة صديقنا سليمان نجيب، والمرحوم عمر وصفي، ومليا ديان، وأعجبته الرواية وتبين فيها بعض شخصيات لأناس نعرفهم في الحياة من الأصدقاء والخدم».
ــ محمود تيمور يتعرف على المسرح في السابعة من عمره
وعن بدايات تعرفه على المسرح، يقول محمود تيمور في مذكراته: «حضرت التمثيل لأول مرة وأنا في السابعة، ومنذ ذلك اليوم أحببته أنا وأخوي محمد وإسماعيل، فتابعنا ترددنا عليه. والذي ساعد ذلك الميل وأذكاه في قلوبنا هو والدي المرحوم أحمد تيمور باشا، فقد كان شغوفا به، يتردد كثيرا لمشاهدته، ويجد في ذلك متعة، وكان له اتصال بأرباب هذا الفن في عصره، وكانت تربطه بالشيخ سلامة حجازي صداقة، وكان مشتركا بأبونيه دائم في مسرح عبد العزيز».