خطة تطوير التعاون الزراعى مع إفريقيا: تبادل الخبراء.. وتوسيع المزارع
رأى خبراء فى الشأن الإفريقى أن مصر يمكن أن تستفيد من الاستثمار الزراعى فى القارة الإفريقية على أكثر من مستوى، أهمها تدبير ما يكفى احتياجاتها من الحبوب والمحاصيل الأساسية.
وعدَّد الخبراء، خلال حديثهم مع «الدستور»، أوجه الاستفادة التى يمكن أن تعم على مصر من التعاون مع إفريقيا فى مجال الزراعة، بشكل يدعم القارة ويحولها إلى سلة غذاء للعالم، ويحقق الأمن الغذائى المصرى.
ورأوا أن الاستدامة الزراعية أحد أكبر التحديات فى إفريقيا، حيث تواجه المنطقة أزمات نقص الموارد المائية، والتصحر، وتغير المناخ، ونقص التمويل، والبنية التحتية الزراعية الضعيفة، لكنهم أكدوا أن القارة تتمتع بإمكانات ضخمة لتحسين الزراعة وزيادة الإنتاجية.
شريف الجبلى: تعزيز التبادل التجارى الزراعى.. والتنسيق لزيادة الإنتاجية
رأى الدكتور شريف الجبلى، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية، رئيس لجنة الشئون الإفريقية فى اتحاد الصناعات المصرية، أن التوسع فى الزراعة فى إفريقيا أمر ضرورى، خاصة أن مصر تمتلك خبرات كبيرة فى هذا المجال.
وأشار إلى أن إفريقيا من الدول التى تمتلك موارد طبيعية كثيرة، ويجب الاستفادة منها، خاصة فى ظل العلاقات السياسية والاقتصادية الوطيدة مع القارة، لافتًا إلى أن تلك الخطوة تحتاج إلى تكلفة تمويلية كبيرة.
وبَين أن بعض الدول العربية بدأ بالفعل فى استغلال موارد إفريقيا، مثل الإمارات والكويت، ولكن الإمكانات هى التى تحدد شكل العمل فى تلك الخطة.
ولفت إلى أن مصر تدير مزارع تجريبية فى ٧ دول إفريقية، ولكن على مساحات صغيرة تصل إلى ١٠٠٠ فدان فقط، معتبرًا أن الدخول إلى السوق الإفريقية يحتاج إلى مساحات كبيرة للبدء فى المشروع.
وبَين أن مصر لديها العديد من الفرص للاستفادة من موارد إفريقيا فى مجال الزراعة، ويمكن لها التعاون مع دول إفريقية أخرى فى مجال التكنولوجيا الزراعية وتبادل الخبرات والمعرفة. وتابع: «يمكن لمصر مشاركة تقنياتها الزراعية المتقدمة والمعرفة المتراكمة فى مجالات، مثل الرى الحديث والزراعة المستدامة وتحسين الإنتاجية، وفى المقابل، يمكنها الاستفادة من خبرات الدول الإفريقية الأخرى، فى مجالات مثل الزراعة العضوية أو التكنولوجيا الحيوية». وأكمل: «استثمار مصر فى الزراعة فى الدول الإفريقية يمكن أن يحدث من خلال استثمار رأس المال والمعرفة فى مشاريع مختلفة، مثل الرى ودعم المزارعين الصغار والمتوسطين فى تحسين ممارساتهم وتوفير التدريب والتمويل».
وأشار إلى أنه يمكن لمصر تعزيز التجارة الزراعية مع دول إفريقية، ويمكن لها استيراد المنتجات التى تفتقر إليها من بعض الدول وتصدير منتجاتها الزراعية لأسواق القارة.
وتابع: «يمكن أيضًا لمصر تطوير آليات التعاون فى البحث الزراعى والتعاون مع جامعات ومؤسسات بحثية فى دول إفريقية أخرى، وتبادل المعرفة، ويمكن أن يسهم هذا التعاون فى تطوير تقنيات جديدة ومبتكرة وتحسين الإنتاجية ومكافحة الأمراض والآفات».
عبدالنبى عبدالمطلب: القارة غنية بالأراضى والمياه.. و«الاستعمار الجديد» يعوق التنمية
ذكر الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، خبير الاقتصاد، أن تقرير البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة يوضح أن إفريقيا غنية بالموارد الطبيعية، مثل الأراضى الصالحة للزراعة والمياه والنفط والغاز الطبيعى والمعادن والغابات والحياة البرية، أى أن القارة تحتفظ بنسبة كبيرة من الموارد الطبيعية فى العالم، سواء من مصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة.
وأضاف «عبدالمطلب»: «كما تعد إفريقيا مصدرًا لنحو ٣٠٪ من احتياطيات العالم من المعادن، ونحو ٨٪ من الغاز الطبيعى، ونحو ١٢٪ من احتياطيات النفط فى العالم، إضافة إلى ٤٠٪ من الذهب العالمى ونحو ٩٠٪ من الكروم والبلاتين، وتضم أكبر الاحتياطيات من الكوبالت والماس واليورانيوم فى العالم، وتملك ٦٥٪ من الأراضى الصالحة للزراعة فى العالم، ونحو ١٠٪ من مصادر المياه العذبة المتجددة الداخلية».
وأوضح: «رغم وفرة هذه الموارد فإنه لا تزال الشعوب الإفريقية أكثر شعوب العالم فقرًا، وتعانى من تفشى الجهل والمرض، والسبب الرئيسى هو عدم قدرة إفريقيا على الوصول إلى مرحلة الاستغلال الأمثل لمواردها الطبيعية»، مؤكدًا: «الاستغلال الأمثل للموارد فى القارة الإفريقية يحتاج إلى موازنة استثمارية كبيرة قد يصعب توفيرها». وشدد على أن الاستعمار، سواء فى صورته الجديدة أو القديمة، لا يزال يعرقل قدرة إفريقيا على التنمية والاستغلال الأمثل لمواردها، والسبب طبعًا معروف، إذ إن التنمية فى إفريقيا ستحرم الاستعمار من الاستيلاء على الموارد واستخدامها لتحقيق رفاهية لمواطنيه، مقابل زيادة الفقر فى إفريقيا.
وقال: «يمكن وضع خطط استثمارية واضحة تقوم على تحقيق الأولويات الأساسية التى تقود إلى عائدات تنعكس بشكل مباشر على التنمية البشرية، والعمل على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، مع إعطاء أولوية خاصة للاستثمار فى مجال التعليم والتكنولوجيا وتقنيات استخراج المعادن وتجديد الغابات الخشبية، إضافة إلى تشجيع الاستثمار فى البنية التحتية ورفع كفاءة هياكل الإنتاج فى القارة الإفريقية».
وذكر أن جزءًا أساسيًا من مشاكل القارة يعود إلى النقص الكبير فى قطاع البنية التحتية، وهو أمر يعوق أى خطط استثمارية لاستغلال الموارد الطبيعية بالشكل الأمثل فى القارة السمراء، فقد أثبتت الدراسات أن عدم وجود خطوط نقل جيدة جعل نقل البضائع من غرب إفريقيا إلى الصين أرخص من نقلها إلى بلدان شرق القارة.
وأكد أهمية العمل على تحقيق ديمقراطية حقيقية، لأنها تمنح الأفراد والمؤسسات الفرصة للإبداع والابتكار فى وضع وتنفيذ السياسات المتعلقة بإدارة تلك الموارد وتوجيهها نحو التنمية الشاملة، والعمل على وضع أسس وطنية صارمة تضع مصلحة شعوب القارة وتنميتها فى مقدمة الأولويات، ولا شك فى أن هذا يحتاج فى البداية إلى تحجيم الفساد والقضاء عليه، ووضع الخطط المستقبلية للاستفادة من تنافسية الموارد الإفريقية التى تشكل جزءًا كبيرًا من مدخلات الصناعة والإنتاج فى البلدان الغربية.
مجدى الوليلى: نحتاج إلى «تكامل قارى» للتحول إلى «سلة غذاء العالم»
قال النائب مجدى الوليلى، عضو لجنة الشئون الإفريقية بمجلس النواب، عضو غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات المصرية، إن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الدورة الخامسة من قمة منتصف العام التنسيقية التابعة للاتحاد الإفريقى بالعاصمة الكينية نيروبى، كانت فرصة كبيرة لتوضيح جهود مصر فى دعم القضايا الإفريقية والدولية فى مواجهة ظاهرة التغيرات المناخية.
وأوضح الوليلى، لـ«الدستور»، أن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقى شاركوا فى القمة، وكذا رئيس المفوضية الإفريقية ونائبه ورئيس الاتحاد الإفريقى، مشيرًا إلى أن إفريقيا تمتلك أكبر مساحة أراضٍ قابلة للزراعة تمكنها من أن تكون سلة الغذاء للعالم، مع توافر المياه من خلال النيلين الأبيض والأزرق، علاوة على أن اختلاف المناخ بين الدول الإفريقية يسمح بوجود عدة مواسم للمحصول الواحد. وتابع: «مع التطور فى البنية التحتية فى إفريقيا وتوافر مصادر الطاقة، خاصة المتجددة أصبحت هناك ضرورة ملحة للتعاون بين دول إفريقيا، ليصبح هناك تكامل فى القارة السمراء، بين الموارد والخبرات».
وأشار إلى أنه لإتمام هذا الأمر لا بد من وجود استقرار سياسى واتفاقيات ملزمة تحافظ على حقوق المستثمرين فى تلك الدول، لافتًا إلى أنه «بعد أحداث كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية، تكاتفت الدول الأوروبية والولايات الأمريكية لرفع أسعار المحاصيل واستغلال الظروف، ما تسبب فى ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، لذا أصبح من الضرورى أن تتكاتف الدول الإفريقية لوضع خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والزراعية، علمًا بأن السلاح الأهم فى العالم خلال السنوات المقبلة، سيكون سلاح الغذاء.. الغذاء سيكون معيار القوة».
خالد الشافعى: تطوير البنية التحتية والمسارات اللوجستية «أولوية قصوى»
أكد خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، أن إفريقيا تتمتع بموارد طبيعية كبيرة يجب الاستفادة منها، وذلك عبر تطوير البنية التحتية وتشمل المشاريع الريفية والمسارات اللوجستية والمستودعات والمصانع الزراعية، لافتًا إلى أن مصر يمكن أن تسهم فى هذا التطوير من خلال تعزيز ودعم القدرة التنافسية لدول القارة وتحسين قدرتها على إنتاج محاصيل بجودة عالية.
وأشار «الشافعى» إلى أن هناك فرصة عظيمة يمكن استغلالها بالتعاون مع دول القارة وتعزيز التعاون الزراعى، من خلال الدبلوماسية والتوجيه السياسى والدفع بالمبادرات والمشروعات الزراعية فى المنظمات الإقليمية الإفريقية والتحالفات الاقتصادية، ما يعزز التعاون والتجارة الزراعية ويسهم فى تنمية الزراعة فى المنطقة باستخدام هذه الاستراتيجيات.
وأضاف: «كما يمكن لمصر أن تعزز استفادتها من موارد إفريقيا فى الزراعة وتحقق فوائد متبادلة لجميع الأطراف المعنية، ويجب أن تتضمن هذه الاستراتيجيات التعاون المستدام والشراكات الفاعلة مع الدول الإفريقية، مع التركيز على تحقيق التنمية الزراعية المستدامة وتعزيز الأمن الغذائى فى المنطقة».
ورأى أنه يمكن لمصر العمل على تطوير مشاريع تبادل المحاصيل الزراعية بين الدول الإفريقية، حيث يمكن أن تستفيد من تنوع المحاصيل والموارد الطبيعية المتاحة فى دول إفريقيا الأخرى، مثل الكاكاو والقهوة والفواكه الاستوائية، فى حين تقدم خبرتها فى زراعة المحاصيل الرئيسية، مثل القمح والقطن والأرز.
وواصل«إلى جانب ذلك، يمكن لمصر الاستفادة من الفرص المتاحة لتطوير مشاريع الرى والاستصلاح فى دول إفريقيا، خاصة فى المناطق التى تعانى نقصًا فى الموارد المائية، ويمكن لمصر توفير التكنولوجيا والخبرة فى مجالات الرى الحديث وإدارة المياه لتحسين كفاءة استخدام المياه الزراعية وزيادة الإنتاجية الزراعية بشكل عام».
وقال إن الاستفادة من موارد إفريقيا فى الزراعة تتطلب التزامًا قويًا بالشراكة والتعاون البناء مع دول القارة، وتبادل المعرفة والتكنولوجيا، وتطوير القدرات، ودعم التنمية المستدامة للقطاع الزراعى.
وأشار «الشافعى» إلى أن الزراعة فى إفريقيا تشمل، أيضًا، زراعة المحاصيل النقدية مثل القطن والكاكاو والشاى والقهوة التى تعد مصدرًا مهمًا للتصدير وتحقيق العائدات الاقتصادية للعديد من الدول، مضيفًا: «كما تشمل الزراعة فى إفريقيا أيضًا تربية الماشية والحيوانات التى تلعب دورًا مهمًا فى توفير اللحوم والحليب والمنتجات الحيوانية الأخرى».
وأوضح أن الزراعة فى إفريقيا تواجه تحديات كبيرة؛ بما فى ذلك نقص التكنولوجيا الزراعية المتقدمة والممارسات الفعالة، ونقص الموارد المالية والتمويل، والتهديدات البيئية مثل التصحر وتغير المناخ واضطرابات السوق والتجارة الدولية، ونقص البنية التحتية الزراعية والوصول إلى السوق.
وأكد «الشافعى» أن هناك جهودًا كبيرة تُبذل لتعزيز الزراعة فى القارة، بما فى ذلك الاستثمار فى البحوث الزراعية والتكنولوجيا والابتكار وتوفير الدعم الحكومى للمزارعين، من خلال توفير القروض والتدريب والمدخرات والتسهيلات الأخرى وتحسين البنية التحتية الزراعية، مثل الرى والتخزين والنقل وتعزيز التجارة الإقليمية والدولية لتمكين الدول الإفريقية من الوصول إلى الأسواق العالمية.
وأضاف: «يمكن لإفريقيا تحقيق الأمن الغذائى الذاتى، وتحسين معيشة المزارعين والسكان الريفيين، وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى القارة، عن طريق استثمار الموارد اللازمة واتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز الزراعة».
واستشهد بطفرة حدثت فى بعض الدول الإفريقية فى مجال الزراعة تحديدًا، حيث تم الاعتماد على تقنيات الرى الحديث مثل الرى بالتنقيط والرى بالرش فى بعض المناطق لتحسين كفاءة استخدام المياه وزيادة الإنتاجية الزراعية، كما تم تطوير أصناف محاصيل مقاومة للأمراض والآفات والجفاف، ما يساعد المزارعين فى تحقيق محاصيل أفضل ومستدامة.
وأكد أن هناك جهودًا لتعزيز التعليم الزراعى وتقديم المعلومات والتدريب للمزارعين؛ بما فى ذلك تبادل الممارسات الزراعية المستدامة والتكنولوجيا الحديثة، حيث تعمل الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدنى على تعزيز الشراكات وتوفير الدعم الفنى والمالى لتعزيز الزراعة فى إفريقيا.
وتابع: «بشكل عام، تمتلك القارة الإمكانات الضخمة لتحقيق تحسينات كبيرة فى الزراعة والأمن الغذائى، من خلال تبنى التكنولوجيا الحديثة وتوفير الدعم الحكومى والاستثمارات اللازمة وتعزيز التعليم والتدريب الزراعى، كما يمكن لإفريقيا تعزيز إنتاجيتها الزراعية وتحقيق التنمية المستدامة فى القطاع الزراعى».