10 سنوات تطهير.. كيف تحولت كرداسة والواحات والعريش من مناطق ملتهبة لـ"زيرو إرهاب"؟
10 سنوات مرت على قرار الشعب المصري بالثورة على وضع خاطئ ورفض حكم جماعة إرهابية وعزل رئيسهم بسبب ممارساتهم المريبة والمخربة للبلاد.. مساء 30 يونيو كانت شرارة الثورة والمطالبة بعزل محمد مرسي إلا أن رد أبناء جماعته كان شريرا.
بعد ساعات قليلة من قول الشعب المصري كلمته دوت "سارينة" سيارات الشرطة والإسعاف في كل حدب وصوب انفجار هنا واغتيال هناك حيث كشرت الجماعة الإرهابية عن أنيابها وقررت عقاب كل من رفضهم لكن الأجهزة الأمنية بدعم من القوات المسلحة كانت بالمرصاد لهم، سنوات طويلة واجهت قوات الشرطة والجيش مؤامرات غادرة وإرهاب عنيف وتركزت أغلب الهجمات في أرض الفيروز خاصة مدينتي العريش والشيخ زويد كما خرجت جماعات العنف من كرداسة بينما كانت صحراء الواحات البحرية ملجئا لتلك العناصر وممرا لهم بين مصر وليبيا إلا أن الجهود الأمنية بدعم من القيادة السياسية طوال السنوات العشر الماضية كانت كفيلة بإتمام عملية التطهير وبعدما كانت العريش وكرداسة والواحات "مناطق ملتهبة" كما يطلق عليها رجال الشرطة تحولت إلى مناطق مسالمة وسجلت عمليات التخريب بها "زيرو إرهاب".
كرداسة لفظت الإرهابيين
محافظة الجيزة تحديدا دائما ما وصفتها القيادات الأمنية بالمنطقة الوعرة جغرافيا حيث تحيطها المناطق الجبلية والصحراوء والجزر النيلية اللتان تعدان من أفضل الملاجئ لإيواء العناصر الخطرة سواء الإرهابية أو الإجرامية وفي حوار سابق له مع "الدستور" قال اللواء محمود فاروق مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة الأسبق عنها: "تعاقبت عليها الجماعات الجهادية المتشددة منذ حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حتى أصبحت ملجئا لهم"
وقال إن تاريخ الجماعات الإرهابية بالجيزة يرجع إلى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عندما انبثقت عدة جماعات وتنظيمات من معتقدات وأفكار جماعة الإخوان المسلمين في ذلك الوقت حيث ظهرت بمسميات مختلفة مثل تنظيم التوقف والتبين وتنظيم الناجون من النار الذي نجح في اغتيال الشيخ محمد الذهبي وزير الأوقاف الأسبق وفي يوم 5 مايو 1987 شرع التنظيم في اغتيال اللواء حسن أبو باشا مدير جهاز مباحث أمن الدولة آنذاك باستخدام بندقية آلية حيث أطلقوا عليه النار عند العودة إلى مسكنه ولكنه أفلت من الموت وأصيب بإصابات بالغة وفي يوم 13 أغسطس 1987 محاولة قتل وزير الداخلية السابق اللواء النبوي إسماعيل.
ومن أبرز المناطق التي كانت ملجئا لتلك التنظيمات مناطق كرداسة التي تعاقبت عليها الجماعات الإرهابية المختلفة على مر العقود وإمبابة، وفي التسعينات ظهرت مسميات جديدة بعد اندثار الجماعات القديمة ومنها الجماعة المتشددة وتنظيم الجهاد المتورط في اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات وعدة عمليات إرهابية أخرى وتمركزت تلك التنظيمات في مناطق الجيزة وإمبابة بالتحديد أرض الجمعية وأرض الحداد ومنطقتي الهرم والثلاث طوابق وأيضا الجماعات المتطرفة.
وكانت أبشع الجرائم التي ارتكبتها الجماعة الإرهابية شهدت عليها مدينة كرداسة في 14 أغسطس 2013 ردا على فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة حيث عاصرت عناصر مسلحة بأسلحة ثقيلة مركز شرطة كرداسة وهاجمت ضباطه بكل خسة وندالة حتى صعدت أرواح 11 ضابطا وفرد شرطة منهم للسماء شهداء.
ونجحت الأجهزة الأمنية خلال السنوات الأخيرة في إسقاط أكبر كوادر الجماعة وقياداتها وأبرز أعضائها
ملحمة الواحات
في أكتوبر 2017 دارت معركة شرسة بين قوات الأمن وجماعة المرابطون التي كان يقودها الإرهابي المعدوم هشام عشماوي بعدما حاصرت العناصر الإرهابية مأمورية أمنية كانت تستهدفهم بين الجبال وأسفرت عن استشهاد ١٦ ضابط وفرد شرطة وإصابة ١٣ آخرين وردت عليها قوات الأمن بإبادة العناصر الإرهابية المشاركة في اغتيال الضباط.
النقيب محمد الحايس كان أحد الضباط الذي أسرته الجماعة الإرهابية مصابا عقب الاشتباكات نجحت قوات الأمن في تحريره عقب ١١ يوما من البحث والمطاردات والذي منذ اختفائه بدأ تنفيذ الخطة الأمنية التي وضعتها قيادات وزارة الداخلية تحت إشراف ومتابعة القيادة السياسية للبلاد في سبيل الكشف عن مصير الضابط وإعادته سواء حيا أو شهيدا حتى توصلت أجهزة البحث وأجهزة فنية عالية المستوى إلى بداية الخيط للكشف عن مصير الحايس حيث تم تتبع هاتفين محمولين كانا بحوزة النقيب محمد الحايس ونجحت الأجهزة المختصة في تحديد النطاق الجغرافي لهما تبين أن أحدهما بالواحات والآخر بنطاق محافظة الفيوم وتم تحديد مكانهما على بعد حوالي 30 كيلو من موقع الاشتباكات وبدأت منطقة البحث في نطاق تلك المنطقة ومحيطها.
بعد حوالي 24 ساعة تم إغلاق الهاتفين تماما فتم التخطيط والاستعانة بعدد من البدو لإجراء عمليات التمشيط وتتبع خط سير الجماعة الإرهابية ونفذت قوات الداخلية بكافة قطاعاتها من الأمن الوطني والأمن العام والعمليات الخاصة وتم الاستعانة بالمعلومات التي جمعتها ورصدتها وزارة الداخلية مستعينة بالأقمار الصناعية ومن خلال تتبع خطوط سير الجماعات الإرهابية توصلت إلى مكان اختفاءهم وبرفقتهم الضابط، تعاملت الأجهزة الأمنية مع المعلومة بسرية تامة لقيمتها وحرصا على حياة الضابط حيث تبين أن مجموعة الإرهابيين الهاربين من عملية الواحات اختبئوا وسط الدروب والكهوف الجبلية المرتفعة عن الأرض وكانوا ينقلون الحايس برفقتهم للوصول إلى الأراضي الليبية لتسليمه لمعسكرات الإرهابي هشام عشماوي.
وقالت المصادر، إنه فور الوصول إلى المعلومة بمكان وجود الحايس والجماعة الإرهابية تم تسليم تلك المعلومات إلى قوات إنفاذ القانون بصحراء الواحات ووضعت قوات الجيش الخطة الأمنية بالاشتراك مع رجال العمليات الخاصة واعتمدت الخطة على تنفيذ عنصر المفاجأة للإرهابيين والإرباك لعدم التمكن مع الرد كما تضمنت الخطة الهجوم الجوي والبري في ذات التوقيت فوصلت طائرات الاباتشي في الوقت المحدد للعملية الساعة الثالثة عصرا وتزامنت مع وصولها قوات الصاعقة و777 من ناحية البر وتم شن الهجوم في ذات اللحظة بإنزال قوات من الطائرات والتي فاجأت 8 عناصر إرهابية يتولون حراسة الكهف المخفي به النقيب الحايس وتم تصفيتهم جميعا ودخل عدد من أفراد القوة إلى الكهف وعثر على الحايس مقيدا فيما تولى باقي أفراد القوة عمليات التعامل مع العناصر الأخرى المسلحة التي هربت داخل الصحراء وطاردتها الطائرات ومدرعات الشرطة والجيش.
وخلال 7 دقائق كان الحايس بين أيدي القوات وتجرى عملية تأمينه بشكل كامل ومع حالة الإعياء التي كان عليها الحايس تم الاستعانة بسيارة إسعاف من إحدى شركات البترول القريبة من موقع العثور عليه لنقله بها ولعدم استطاعته تحمل النقل بالطائرة والضغط الجوي فتم إيصاله إلى القاعدة الجوية بالواحات بواسطة سيارة الإسعاف وتم تقديم الإسعافات الأولية له ليتمكن من تحمل الرحلة إلى القاهرة ثم تم نقله إلى طائرة حملته إلى مطار ألماظة ومنه مباشرة إلى مستشفى الجلاء العسكري.
خلال اليوم التالي واصلت قوات الجيش والشرطة عمليات التمشيط بطريق الواحات غرب الفيوم عقب انتهاء عمليات ملاحقة الإرهابيين وقتلهم جميعا وإلقاء القبض على أحد عناصره الخطرة "عبد الرحيم المسماري" ليبي الجنسية الذي اعترف بالعديد من جرائم الإرهابي عشماوي وأعلنت قوات الأمن 200 كيلو متر من طريق الواحات بمنطقة وادي حيتان خالية تماما من أية عناصر إرهابية حيث تم الاستعانة بعناصر من البدو وأدلة الصحراء والصعود إلى أي تبة مرتفعة أو كهوف جبلية لإجراء عملية تسمي أمنيا "التطهير".
شبراوي وحسنين عرسان
أرض سيناء التي ارتوت بدماء الشهداء على مدار السنوات الماضية كانت مرتعا للعناصر الإرهابية التي تتسلل إليها عبر الدروب والأنفاق المنتشرة بأرجاء المحافظة نفذوا فيها أقذر الجرائم من استهداف أكمنة وكتائب عسكرية وزرع ألغام على الطريق لاستهداف سيارات الشرطة والدبابات والمدرعات.
أحد الجرائم التي لا تنسى كان بطلها الشهيد أحمد منسي قائد الكتيبة 103 الذي سطر برفقة ضباطه وجنوده بطولة من نوع خاص وحفروا أسمائهم بدمائهم في التاريخ حيث تتردد أسمائهم حتى الآن في الأغنية الشهيرة "منسي بقى اسمه الأسطورة" التي تروي بطولة كل شهيد شارك في ملحمة البرث.
بطولة أخرى سجلها الشهيد عمر القاضي في الكمين “بطل 14” باستغاثته الشهيرة التي انتشرت بعد استشهاده "غربل السبيل يا سمير.. دكوا الكمين علينا يا جدعان" لتظل صورته البشوشة وصوته المغوار يظهر كلما ذكرت كلمة شهيد، المئات من الشهداء الأبطال تفوح رائحة دمائهم الذكية على أرض الفيروز وتكرمهم الدولة في كل مناسبة تقديرا لتضحيتهم بأرواحهم الغالية وبعدما كانت مدينة العريش مرعبة لكل من يدخلها ومن يذهب إليها لا يعلم إذا ما كان سيعود منها تحولت إلى "جنة" خالية من العنف والدماء بعد قضاء الجهات الأمنية على العناصر الخطرة بها في جولات متعددة ومداهمات مستمرة ودك للأنفاق والمخابئ.
وأصبحت العريش وجهة للفنانين ومصيف للمواطنين وتنمو بها المشروعات الاستثمارية لتعوض ما تعرضت له من إرهاب حتى أن رمضان الماضي شهد إفطارا جماعيا لأهل العريش على شاطئ البحر في مدينة كان لا يجرؤ حتى سكانها على السير بها خوفا من غدار الإرهابيين والذي أصبحوا الآن من الماضي.