"الدستور" توثّق تاريخ السمسمية.. فن مصري نقلته التجارة للخليج
أعلنت الدكتورة نهلة إمام، مستشارة التراث الثقافي غير المادي بوزارة الثقافة، أن الوزارة في طريقها لإدراج "السمسمية" على ملفات قوائم اليونسكو كجزء من التراث غير المادي لمصر. ولكن ما لفت الانتباه هو أن هذه المرة سيكون بالشراكة مع المملكة العربية السعودية.
ونستعرض في التقرير التالي علاقة آلة السمسمية المصرية بمحيط دول البحر الأحمر، وكيف وصلت إلى المملكة العربية السعودية، وأسباب لجوء مصر لمشاركة السعودية في ملف "آلة السمسمية".
وكان للانفتاح الفني والتجارة دور رئيسي في نقل آلة السمسمية من مصر إلى منطقة الحجاز والسودان "دول ساحل البحر الأحمر"، ولكن تظل السمسمية أكثر تطورًا في مصر وأصبحت جزءًا من ميراث مدن بأكملها لتكون "آلة السمسمية" رئيسية لعدد من فرقها، وجزءًا رئيسًا من معالم مدن القناة ومدن البحر الأحمر.
محمد شبانة: اليونسكو ليست حريصة على الأصالة التاريخية، ولكن آلة السمسمية المصرية أكثر تطورًا في مصر عن غيرها.
في البداية قال الدكتور محمد شبانة، أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون، لـ"الدستور": "علينا أن نوضح أن ذهاب مصر للشراكة مع السعودية في ملف 'السمسمية' وضمه ليكون جزءًا من التراث غير المادي لكلا البلدين والمقدم لليونسكو يرجع إلى أن المنظمة لا تقبل بتقديم ملفين في سنوات متعاقبة؛ وعليه كان لابد لمصر الانتظار ثلاث سنوات أخرى، أي عام 2026 على الأرجح، وقد يكون المسؤولون على الملف رجحوا فكرة الشراكة، كون أن هناك توجهًا عامًا لمنظمة اليونسكو بتشجيع الملفات المشتركة بين الدول، وفيها لا يمكن لدولة أن تستحوذ على العنصر 'آلة السمسمية' فقط لنفسها، ولكن يمكن الإشارة إلى السمسمية المصرية وكذلك السعودية، وتحتفظ كل بلد بها كجزء من قوائم التراث الغير المادي لها."
وأكد محمد شبانة على أن اليونسكو ليست حريصة على الأصالة التاريخية، ولكن حرصها قائم على أن العنصر 'السمسمية' يكون موجودًا وفاعلا في البلد الذي تقدمه، والجانب الآخر أن 'السمسمية' موجودة في أكثر من بلد عربي أفريقي.
وأشار شبانة إلى أن آلة السمسمية موجودة في مدن القناة، والطور في البحر الأحمر، وهذا لا يمنع أن السمسمية لها أصول في جدة، وفي الخليج العربي، وفي العراق، ولديهم اهتمامات بتوثيقها، وموجودة في إثيوبيا.
وتابع: يجب التأكيد على أن السمسمية في مصر هي الأكثر اتقانًا وحضورًا وتفاعلا، وهناك العديد من الدراسات التي تشير إلى أن لها امتدادات في الحضارة المصرية القديمة.
وأوضح أنه لا يمكن الجزم بأن آلة السمسمية انتقلت إلى المملكة العربية السعودية، برغم أن هناك العديد من الأقاويل التي تشير إلى أنها انتقلت عبر التجارة، ولها شبيه في المناطق المرتبطة بالبحر الأحمر، مثل المملكة العربية السعودية والأردن، ولكنها أكثر اكتمالًا وتطورًا في تلك المناطق.
كما تشير بعض الدراسات في المصرية القديمة إلى أن لها جذورًا في المعابد المصرية، وكذلك في المتحف المصري هناك وثائق تشير إلى ذلك.
زكريا إبراهيم: السمسمية أقدم الآلات التي استخدمها المصري القديم
من جهته، قال زكريا إبراهيم، مؤسس فرقة الطنبورة البورسعيدية: "يعود تاريخ السمسمية كواحدة من أبرز الآلات الوترية التي استخدمها المصريون القدماء، وتشير الوثائق إلى أن تاريخ وجودها يعود إلى 2000 عام قبل الميلاد، وهذا ما تشير إليه الوثائق التي عُثر عليها في مقابر بني حسن بالمنيا في المقبرة رقم 13. وتضم الحجرة 34 بالمتحف المصري نسخة منها، إلى جانب نسخة من آلة الطنبورة."
وأكد إبراهيم أن الآلة موجودة في منطقة البحر الأحمر على الجانبين في العقبة وينبع وجده ووعدن، وموجودة في محافظة البحر الأحمر، وفي مصر تبدأ من خط القناة حتى شلاتين برأس غارب والقصير والغردقة، إلى جانب مدن القناة، وكذلك موجودة في بور سودان، وإريتريا، وجيبوتي، وكانت موجودة في زنجبار التي أصبحت جزءًا من تنزانيا، وفي بحر الأحمر الذي تعوم فيه السمكة السمسمية.
وتابع إبراهيم: "الآلة موجودة في مطروح، كانت موجودة في سيوة، والنوبة، ووجودها في النوبة هو امتداد لوجودها في السودان، بينما منطقة البحر الأحمر والقناة".
وأضاف: باعتبار العود أحد الآلات الموجودة والمسجلة في وثائق تاريخية، ونظرًا لأهميته في التراث الثقافي والفني للدول المستخدمة للسعودية، فإنه يلعب دورًا هامًا في التبادل الثقافي. وكان الناس يستخدمون "السنابيك" لتبادل الأغاني التي تعود لفترات طويلة جدًا من الزمن.
وفي بحث ميداني أُجري في التسعينيات على مواليد 1913، تم سؤالهم عن فكرة الكتب، وتبين أن هناك العديد منهم يعزفون على العود ويتقنونه.
عمر الراوي: آلة السمسمية انتقلت إلى السعودية وأشهر عازفيها هناك مصريين
ومن جهته، أشار الباحث في الفنون البحرية في منطقة البحر الأحمر ومدن القناة "عمر الراوي" إلى أن السمسمية آلة وترية شعبية وُلِدَتْ من رحم آلات من تاريخ المصريين القدماء، مثل الطنبورة الكبيرة والصغيرة، والتي يستخدمها قبائل البشارية وأهل النوبة حالياً، وآلة الهارب التي تعود إلى قدم الحضارة المصرية القديمة. ومن أهم وأبرز المدن: السويس، والطور، ومدينة القصير.
وأضاف عمر الراوي: "هاجرت السمسمية إلى مدن القناة، ومن أبرز الناس عبد الله محمد مرسال، بدءاً من السويس نشرها إلى مدن القناة الإسماعيلية وبورسعيد، وهذا حديث يرجع إلى معاصرتنا".
وأشار إلى أن هذه المدن لم تكن بمعزل عن باقي الموانئ في البحر الأحمر "السنابيك"، فكانت تتحرك إلى مدن اليمن وينبع ومعظم المدن على الساحل الحجازي والعقبة، وكانت حركة الحج والتجارة تشمل السويس والقصير والمدن الموجودة على الساحل الحجازي. وكان سفر الحجاج يصاحبه زفاف الحجيج، إلى جانب المحمول، كانت تشارك السمسمية هذه الاحتفالات، ثم انتقلت إلى الساحل الحجازي فيما بعد، ووصلت بـ 5 أوتار مقام الرصد، والمقام الخماسي كان للطنبورة، ولم يُوجَدْ ظَبْطُ مقام الرصد، ومعظم أغاني السمسمية وصلت حتى 24 وتر لمعظم المقامات.
وأكد الراوي أن "السمسمية" لم تتطور في المملكة العربية السعودية، فهناك ما زال يعزفون على مقام البيات دون تنويع في المقامات، إلى جانب عازفين مصريين استقروا في الحجاز، ومن بينهم العازف حربي حسين من مدينة الغردقة، والعازف زكي سالم من الإسماعيلية الذي عمل في فرقة أبو سراج في البداية ومن ثم أسس فرقة "الماسة"، لافتا إلى أن هناك العازف أحمد مرشيدس الذي عمل أيضًا في فرقة أبو سراج، وظهورها واستمراره يرجع للمصريين وقد سبقهم العديد من العازفين.
واختتم الراوي أن "أهالي ينبع وجدة يؤكدون على أن السمسمية آلة مصرية جاءت عبر التبادل".