جوه الصندوق.. المخرج إسلام إمام: المسرحية تواجه «الانتحار» بالتحريض على الحياة
ليس هناك ما يدل على أنه يحب التحدى أكثر من أنه ناقش قضية خطيرة كـ«الانتحار» فى مسرحية خفيفة ومُحرضة على الحياة، ونقصد هنا مسرحية «جوه الصندوق»، التى يعرضها المخرج المتميز إسلام إمام فى قصر الأمير طاز، ويتوافد عليها الجمهور ليؤكد مدى محبة المصريين لفن المسرح.
إسلام إمام مخرج مسرحى يتميز بقدرته على صناعة مسرحيات تمس المواطن المصرى، تجعله يضحك ويفكر، ومؤخرًا حقق عرضه «جوه الصندوق» نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وهو باكورة إنتاج ورشة التمثيل بصندوق التنمية الثقافية لإعداد وتدريب المواهب الشابة وتنميتها تحت إشراف «إمام»، وبمشاركة ١٥ ممثلًا وممثلة منهم: «كريم الكاشف ومصطفى سعيد وحامد الزناتى وحسن على وإسلام رجب وأحمد عبادى وباسم سليمان وإسراء عاطف وعليا القصبى وهنادى محمود ودانة وائل ورضوى الشريف»، تصميم إضاءة كريم محروس وموسيقى حازم الكفراوى، مساعدا الإخراج سارة الرداد وهاجر سليمان، ومخرج منفذ عبده بكرى. «الدستور» حاورت «إمام»، فأكد أن مناقشة القضايا الجادة لا تتعارض مع تقديم المتعة للجمهور، لأن الناس لا تزور المسرح لأنها تحتاج إلى محاضرة، مشيرًا إلى أن المسرحية تقدم فوق تبة وسط النخيل، وهى مكونة من مشاهد منفصلة متصلة.
■ بداية.. ما القضية التى يناقشها العرض؟
- أود أن أشير فى بداية حديثى إلى أن ظروف إنتاج هذا العرض تختلف عن ظروف إنتاج أى عرض آخر، سواء كان لى أو لأى مخرج زميل، فقد خرج العرض بعد ١٨ يومًا فقط، ويأتى فى إطار خطة الدكتور هانى أبوالحسن، رئيس صندوق التنمية الثقافية، لاستعادة المسرح فى المواقع التابعة لصندوق التنمية الثقافية، إذ ناقشنا معًا سبل فتح منافذ جديدة للمسرحيين.
وكنت قد انشغلت بالبحث عن موضوع الانتحار منذ أربع سنوات، وكانت تلك القضية ضمن قائمة أولوياتى، فالانتحار خطر يهدد مجتمعنا، وزادت معدلاته، وأصبح من الضرورى أن يكون للمسرح دور فى معالجة تلك القضية.
■ كيف استطعت معالجة هذه الفكرة الجادة بالكوميديا؟
- من وجهة نظرى، أرى أن اختيار الموضوع الجاد لا ينفى قدرة الفنان على تحميله شيئًا من المتعة، فالجمهور لا يجلس فى محاضرة علم نفس، ويجب أن يستمتع جدًا.
وعند معالجة موضوع مثل الانتحار، يجب ألا يشعر الجمهور بالاكتئاب والضيق، بل من الضرورى أن يشعر بأن الحياة جميلة.
■ المسرحية مكونة من مشاهد منفصلة متصلة.. لماذا تفضل هذا النوع؟
- قدمت أكثر من تجربة تعتمد على اللوحات المنفصلة المتصلة، أبرزها عرض «رجالة وستات» وعرض «جوه الصندوق»، وحققت نجاحًا كبيرًا، وأظن السبب أن تلك العروض ناقشت أزمات معاصرة حالية تمس المتفرج وواقعه.
متعة اللوحات المنفصلة المتصلة تكمن فى التنوع؛ فالمشاهد يرى ممثلين يلعبون شخصيات متعددة ومتنوعة، والعرض لا يعتمد على منظر واحد ثابت، وكل مشهد يحكى قصة مختلفة، وبالتالى يصير الموضوع حيويًا وممتعًا.
وفى مثل هذه النوعية من العروض، أركز بشدة على التفاصيل خلال فترة التحضيرات، فكل مشهد له خطة وإطار درامى واضح.. أبدأ فى صياغته مع الممثلين، محددًا لهم خطًا يسيرون عليه فى الارتجال.
■ هل واجهت صعوبة فى العمل مع عدد كبير من الممثلين؟
- لا، لكن بسبب العدد وثراء الموضوع كان لدينا عدد كبير من المشاهد، لم نتمكن من عرضها مراعاة لزمن العرض، خاصة أننا نعرض فى أماكن مفتوحة أثرية وسط العديد من الجوامع، وبالتالى يجب أن أقوم بضبط موعد العرض.
■ كيف استطعت استغلال هذه المساحة من قصر الأمير طاز لتقديم العرض؟
- تعد مسرحية «جوه الصندوق» أول مسرحية تعرض فى تلك المساحة من قصر الأمير طاز، فالعرض يقدم فوق تبة وسط النخيل، والمتفرج يشاهد السماء والنخيل ويرى حركة الممثلين وصعودهم وهبوطهم فوق التبة والنخيل، وهو شىء جذاب للغاية.
اعتمدت على الطبيعة الحية والممثلين، والمتفرج يشاهد وكأنه أمام فيلم سينمائى، وعرضنا التجربة، كذلك، فى مكان حيوى آخر وهو بيت السحيمى، وهو مختلف فى تكوينه، فالمكان ملىء بشرفات من الأرابيسك، والمساحة هنا مختلفة، ونحن بصدد تقديم العرض فى أماكن أثرية أخرى، نعمل على استغلالها فى العرض مع مراعاة وتوظيف طبيعة المكان الأثرى.
■ كيف تطورت كمخرج منذ أول عرض قدمته «محاكمة غانم سعيد» حتى الآن؟
- «محاكمة غانم سعيد» كان أول عرض احترافى لى، وهو بطولة نضال الشافعى، وكان علىّ المرور بمحطات كثيرة بعد ذلك، ومن الصدف الرائعة أن العرض قدم فى بيت زينب خاتون، وهو مكان أثرى أيضًا، وتعد صدفة مميزة للغاية تؤكد اهتمامى بتجوال عروضى.
أظننى فى البداية كنت منشغلًا بالعروض التجريبية، فقدمت عرض «المجند ٣١١»، وقدمت عروضًا على المسرح اليونانى فى إيطاليا، ومسرحية «تحب تموت إزاى؟» ومجموعة من العروض للجامعات والشركات للمسرح العالمى.. كان التجريب الطابع الغالب بها.
ثم بدأت فى تقديم عروض «كوميدى ديلارتى»، ولكنها اجتماعية ومصرية أصيلة، مثل «اللى نزل الشارع»، وعرض «ظل الحمار»، الذى حصل على عدة جوائز من المهرجان القومى للمسرح، ومثل مصر فى المهرجان التجريبى.
ثم صار شغلى الشاغل كيف أجذب المجتمع المصرى للمسرح بصورة أكبر، فقدمت مسرحيات فى «مسرح مصر» وفى «إم بى سى»، وفى تجربة «رجالة وستات» كان هدفى تحويل الكتب الأكثر مبيعًا إلى مسرحيات، فتجذب أكبر قدر من الجماهير، فقدمت كتاب «النساء من الزهرة والرجال من المريخ».
بعد ذلك اتجهت إلى عروض الميوزيكال، وهو المسرح الأكثر جاذبية بالنسبة لى، فقدمت تجربة «المتفائل» ونجحت نجاحًا كبيرًا، واستمر ثلاث سنوات كامل العدد، ثم قدمت مسرحية «حلم جميل»، وحققت نجاحًا كبيرًا.. أنا دائمًا أبحث عن كل ما هو جديد ومواكب للعصر فى المسرح، كوسيلة مضمونة للوصول للجمهور.