سيف فريد فى عين عماد.. لهذا تشاءم صلاح أبوسيف من يوم الجمعة
صلاح أبوسيف مخرج الواقعية، والمولود في مثل هذا اليوم الموافق 10 مايو من العام 1915، واحد من أبرز مخرجي السينما المصرية والعربية في القرن العشرين.
وقدم صلاح أبوسيف عشرات الأفلام من أبرزها: "الزوجة الثانية، الأسطى حسن، الطريق المسدود، القاهرة 30، حمام الملاطيلي، لا تطفئ الشمس، لا وقت للحب، ريا وسكينة، شباب امرأة، لوعة الحب، بين السما والأرض، الوسادة الخالية، بداية ونهاية، وغيرها".
وفي عددها الــ134 والصادر بتاريخ 23 فبراير من عام 1954، أجرت مجلّة "الكواكب" الفنية لقاء مع مخرج الروائع صلاح أبوسيف، وأبرز ما قاله في هذا اللقاء الأسباب التي دفعته للتشاؤم من يوم الجمعة، وساعة معينة منه.
يقول "أبوسيف": "كانت الساعة النحس ذات يوم جمعة تسبب كارثة، لولا أن عناية الله قد تداركتنا، ولم أكن أؤمن بهذه الخرافات، ولكني آمنت بها نتيجة لدرس اهتز له كل كياني".
البداية فى إيطاليا مع فيلم "الصقر"
يستهل صلاح أبوسيف حكاية تشاؤمه من يوم الجمعة قائلًا: "سافرنا إلى إيطاليا لنلتقط بعض مشاهد فيلم (الصقر)، وكان يرافقني في الرحلة سامية جمال، وعماد حمدي، وفريد شوقي، وهم أبطال الفيلم الثلاثة، ومضينا نعمل في نشاط وقوة، وخصوصًا أننا كنا غرباء تترقب العيون كل حركة منّا، وكان جمهور كبير يأتي إلى الاستديو في كل يوم ليرى كيف يُمثِّل المصريون، وكان يهمنا أن نسجِّل في كل يوم بطولة في مشاهدنا".
وأضاف: "رغم أنني كنت أتعاون في هذا الفيلم مع بطلين مرموقين هما عماد حمدي وفريد شوقي، إلا أنني كنت حريصًا على أن نؤدي البروفة مرة ومرات، حتى أطمئن إلى أنهما أتقناها إتقانًا لا مزيد عليه، فتدور الكاميرا للمرة الأخيرة لتسجل المشهد. وكان في الفيلم حوادث عنيفة، حب عنيف، ومقت عنيف، وقتال عنيف، وانتهينا من مشاهد الحب، وأنجزنا مواقف المقت ولم يتبق أمامنا إلا القتال".
وتابع: "كان المشهد يقتضي أن يتبارز فريد شوقي وعماد حمدي بالسيوف، فيقتربان من بعضهما ويبتعدان، ويطارد كل منهما الآخر فلا ينال منه ويتحين له فرصة، والسيوف تصطك في صوت مسموع، ثم يلتقط فريد فرصة فيسدد ضربة هائلة إلى عماد وفي اللحظة الأخيرة يستقر سيف فريد في الحائط وينكسر إلى نصفين. نصف يطير في الهواء، والنصف الآخر يظل في يد فريد فيواصل به القتال".
سر تشاؤم عماد حمدى وفريد شوقى
ويمضي صلاح أبوسيف في حكايته عن الشؤم مضيفًا: "وكان اليوم يوم جمعة، وقد أقبل فريد مكفهر الوجه، بادي الضيق فسألته عما به فقال: (أنت عاوز الصراحة؟)، فقلت له: (قول)، فقال: (النهاردة الجمعة وفيه ساعة نحس، وبلاش حكاية المبارزة دي النهاردة)، فقلت له: (يا راجل سيبك من الكلام الفاضي ده، الناس جايين يتفرجوا علينا، نقدر نقول لهم إن النهاردة فيه ساعة نحس، ويروحوا يشنعوا علينا في الجرايد؟). ونظرت لعماد حمدي أسأله رأيه فقال: (فريد عنده حق)، فقال فريد: (والله أنا متشائم)، ولكن لم أوافق، وقلت لهما إن ما يجب أن نبدأ به هو أن نعلِّم الجمهور أن ينسى هذه الخزعبلات، ويجب أن نتعلم نحن هذا قبل الجمهور، ووافق على مضض".
عماد حمدى يكاد يفقد بصره بسيف فريد شوقى
ويتابع "أبوسيف": "بدأنا البروفة، وتبارز عماد مع فريد، وأتقنا المبارزة إتقانًا رائعًا أثار إعجاب المتفرجين، وكانا قد تلقيا دروسًا في المبارزة على أيدي بعض الأساتذة الراسخين في هذا الميدان، ولكنهما توقفا عند اللحظة التي يغمد فيها فريد سيفه في الحائط فينكسر السيف لأن هذه الحركة تكون في البروفة الثانية والنهائية. وقد كانت الكاميرا قد دارت، وبدأت المبارزة، وكان وجه عماد ووجه فريد يصوران مشاعرهما تصويرًا فذًا، وراحا يتدافعان في خفة، ورشاقة حتى أتت اللحظة التي يسدد فيها فريد سيفه لصدر عماد، وانتحى عماد فعلًا، واستقر السيف في الحائط فكُسِر إلى نصفين، ظل النصف الأول في يد فريد أما النصف الثاني فطار ليصطدم بوجه عماد. وصرخ عماد صرخة مروعة، وأمسك عينيه بيديه، وشعرت بأن الكارثة قد وقعت وأن عماد فقد بصره. كان جسده يختلج وهو لا يرفع يديه عن عينيه، وبدأت الدماء تسيل من تحت اليدين. وحملناه بعيدًا عن البلاتوه، وجاء الطبيب بعد ثوان، ولم أستطع أن أقف وهو يكشف على عماد، بل خرجت بعيدًا عن الحجرة وفي عيني دموع. أما فريد فقد تمالك أعصابه، وظل بجوار عماد وقال الطبيب إن الإصابة انحرفت قليلًا عن العين بقدرة قادر".
وزاد: "تقبل عماد الإصابة بروح عالية، وقال لنا ونحن نخفف عنه: (جرا إيه يا جماعة، داحنا بكرة لازم نخلص المبارزة) وراح فريد يداعبه قائلًا: (طيب كان حقي أنا اللي تيجي فيه الإصابة لأني لو جرا لعيني حاجة أهي تنفع أشتغل بيها). وأمضى عماد أيامًا بعيدًا عن البلاتوه حتى شُفي، وحين عاد جلسنا نتذكر ظروف الحادثة، وما قالاه عن تشاؤمهما من ساعة النحس في يوم الجمعة. ونظر إليّ فريد في شماتة وهو يقول: (صدقت وآمنت؟)، فقلت له: (صدقت وآمنت)، وكان الدرس الذي صدقت بمقتضاه درسًا لا يُنسى".