"وليمة لأعشاب البحر".. كيف وضعت رواية حيدر حيدر الإبداع فى مواجهة المقدس؟
توفي صباح اليوم، الموافق الخامس من مايو 2023، الروائي السوري حيدر حيدر عن عمر ناهز 87 عاماً، وهو صاحب رواية "وليمة لأعشاب البحر"، التي أثارت الجدل عن العلاقة بين الإبداع والمقدس.
نعى الكاتب الراحل وزارة الثقافة السورية، واتحاد الكتاب العرب والوسط الثقافي السوري.
وليمة لأعشاب البحر
ذاع صيت الكاتب الراحل عقب نشر روايته "وليمة لأعشاب البحر" التي أثارت الجدل وردود الفعل الغاضبة من رجال دين وشيوخ الأزهر، وتم حظرها في أكثر من بلد عربي.
صدرت الرواية عام 1983 في سوريا، وتروي سيرة مناضل شيوعي عراقي هرب إلى الجزائر، والتقى بمناضلة قديمة في عصر انهيار الثورة والأزمات التي تلحق بالمناضلين هناك.
احتدم الجدل حول الرواية بعد سبعة عشر عاما من صدورها، حينما اعتزمت الهيئة العامة والثقافة في القاهرة إعادة طبعها في مصر فمنعها الأزهر بدعوى كونها مسيئة للإسلام.
أثارت الرواية الكثير من ردود الفعل، كما صدر كتاب عنها بعنوان "رواية وليمة لأعشاب البحر في ميزان الإسلام والعقل والأدب" للكاتب المصري جابر قميحة يوضح فيه ما يراه من عبارات مسيئة للدين وخارجة عن حدوده ومتخطية اللياقة في اللفظ والعبارة.
وقد كان رد حيدر حيدر على هذا الهجوم بقوله: "نحن نعرف ديننا وتراثنا، نعرف إسلامنا وتاريخنا، ولسنا بحاجة إلى فقهاء ومتعصبين ودعاة ويرشدوننا إلى الصراط، لكننا نعرف في الآن ذاته مواطن الخلل والتأويل الجاهلي، وكهوف الظلام التي يستودع فيها الإسلام السياسي المغلق والاحتكاري لفئة تتاجر بالإسلام وترشق التهم لمن لا ينتمي لقبيلتها العصبية".
جابر عصفور وثقافة العنف
أثار الجدل حول الرواية السؤال عن المقدس والمواجهة التي يقيمها كثيرون بينه وبين حرية الإبداع.
في مقال له بحريدة الحياة 31 مايو 2000، أشار الناقد جابر عصفور إلى أن من أهم ما كشفت عنه أزمة رواية حيدر حيدر "وليمة لأعشاب البحر" هو وجود ثقافة عنف لها سطوتها ومرجعيتها دينية تبدأ وتنتهي بالدين الإسلامي على نحو ما تناوله مجموعة من الأفراد أو التنظيمات أو الجماعات أو بعض المؤسسات الدينية نفسها.
قال عصفور: السند الديني المباشر لهذه الثقافة ليس نصوص كتاب الله وأحاديث الرسول وسنته وإنما تأويل هذه النصوص بما يشدها إلى هدف بشري بالضرورة ويضعها في سياق من العقلنة التفسيرية أصلا لوجودها ومبررا لاتجاهاتها ودافعا لمواقفها وأفعالها.
وتابع: العقلية الغالبة على هذه الثقافة هي العقلية النقلية الاتباعية التي تنفر من الابتداع والابتكار، وتسترتيب بالتجريب والمغامرة التي تخرج عن المألوف. تتسم هذه العقلية بما تختاره من تراث الحضارة الإسلامية العربية فهي تنحاز للميراث التقليدي الاتباعي خصوصا في عصور تشدده وانغلاقه، وتهمل الميراث العقلاني.
أشار عصفور إلى أن أصولية العقلية المهيمنة على هذه الثقافة يلزم عنها توهم الذين ينطوون على هذه العقلية الأصولية أنهم وحدهم الفرقة الناجية التي تحتكر المعرفة الدينية كما تحتكر الحديث باسم الإسلام، ويلازم هذه العقلية نزوع إلى الانغلاق والتغصب ورفض المغاير.
حراس الأصول والتقاليد
في مقال بجريدة "أخبار الأدب"، عدد 30 يوليو 2000، لفت المفكر اللبناني علي حرب إلى أن الصراعات التي دارت بين الإبداع والمقدس تتغذى من "الوهم الناشئ عن الاعتقاد بوجود نص ديني يمكن القبض على معناه المتعالي أو الجوهري بصرف النظر عن تفاسيره وسياقاته ومؤسساته أو الوهم الناشئ عن القول بوجود أصل ثابت يبقى هو بمعزل عن تغير الأحوال والأوضاع أو عن تحولات الأزمنة وتبدلات الأمكنة".
وتابع حرب: هي تمثل نوعا من الزيف الوجودي من جانب الدعاة التراثيين الذين ينصبون أنفسهم كحراس للأصول والتقاليد أو كحماة للخصوصية من الغزو الثقافي الغربي فيما هم ينتهكون النص ويبعدون عن الأصل بقدر ما يفيدون من مفاهيم الحداثة الغربية ويتعيشون على اختراعاتها أو يغرقون في سلعها وصورها ومجمل منتجاتها.