وكأن شيئًا لم يكن
النهارده الأحد، بكرة الاتنين شم النسيم، كل عام وأنتم بـ خير، حوالي 40 مليون مواطن مصري عايشين وضع ضبابي: مش عارفين، إذا كانت أحوال البلد تدعو لـ الفخر وترقب أيام مشرقة، ولا تنتظرهم أيام صعبة، إنما المؤكد إنه فيه حالة عامة من عدم الارتياح، في ظل إنه أغلب فئات المجتمع، تجد صعوبة في توفير الاحتياجات الأساسية.
بـ يقولوا سعر السمك هـ يرخص على آخر الأسبوع، يا مسهل!
كمان الرئيس السادات أمر بـ صرف معاشات لـ الأرامل والمطلقات والمسنين والمحتاجين، خصص له تلت ميزانية الرئاسة، ودا اللي هـ نعرفه على مدار سنوات بعدها بـ اسم "معاش السادات".
مش بس كدا، دا الرئيس كمان أمر بـ هدم سجـن طرة بعد الإفراج عن المعتقلـين السياسيين، لـ إنه خلاص ما عادش له لازمة. كل دي حاجات المفروض تكون مفرحة، بس على الأرض مفيش إحساس بـ دا.
المثقفين، اللي كان أغلبهم من اليسار، كانوا مهتمين أكتر بـ تحرير الأرض، اللي لسه ما حصلش كاملًا، رغم العبور العظيم في أكتوبر قبل اللي فات. هم شايفين إنه موضوع الحرب دا إرادة قبل كل شيء، والأوطان لا تتحرر إلا بـ الكفاح.
يمكن علشان كدا كان فيه احتفاء واحتفال كبير بـ سقوط سايجون قبلها بـ أيام، صحيح أغلبهم ما يعرفش سايجون دي فين، ولا إيه موضوع فيتنام على بعضه، لكن فيتنام هي البشارة. فيتنام بـ تقدم دليل على إنه جبروت أمريكا وهم وكدب، وقصص الفانتوم الفتاكة دي دعاية رأسمالية كاذبة.
في الفترة دي هـ تنتشر زجلية أحمد فؤاد نجم بـ صوت إمام عيسى، "أبجد هوز حطي كلمن/ افتح صفحة امسك قلمٌ/ اكتب زي الناس ما بـ تنطق/ سقطت سايجون رفعوا العلمٌ".
إنما يعني، فيه ناس كتير ممكن تكون مش مهتمة بـ الشأن العام، أو بس وقت الدردشة، فـ بـ يفكروا إزاي هـ يقضوا شم النسيم، ممكن مثلًا نروح سينما "راديو"، نشوف الأسبوع الأخير لـ فيلم سعاد حسني الجديد "أميرة حبي أنا"، اللي بقى له 17 أسبوع في السوق، ومكسر الدنيا، وسعاد بـ تغني فيه: "بمبي، الحياة بقى لونها بمبي"، من كلمات صلاح جاهين وألحان كمال الطويل، اللي قبل عشر سنين عملوا "صورة كلنا كدا عايزين صورة"، وسبحان مقلب القلوب.
لكن اللي شافوا "أميرة حبي أنا"، ممكن يدخلوا فيلم "المطلقات" مثلًا، شمس البارودي عاملة فيه شغل فاخر باين من الأفيشات، أو لو عايزين حاجة خفيفة يبقى "بنت اسمها محمود".
أهل إسكندرية متاح لهم يدخلوا "جود فاذر"، بس دا مش شعبي، هو صحيح "لـ الكبار فقط"، إنما برضه فئة مش كتيرة اللي هـ تهتم بيه، زي الفئة اللي بـ تطالع جريدة المساء، اللي بـ تنشر كل يوم أبيات من الشعر العربي القديم، ومحرر الباب اختار النهارده أبيات من قصيدة الحمى لـ المتنبي، غالبًا محدش هـ يقراها.
عمومًا، فسحة شم النسيم دي حاجة كويسة، خصوصًا إنه مفيش أحداث في الكورة، وكل الجماهير قلقانة.
الدوري اتحسم قبلها بـ أسابيع، وجماهير الأهلي فرحت بـ عودة الدرع بعد 13 سنة غياب، إنما بعدها المنتخب لعب مع السودان في تصفيات الأوليمبياد، وكـ العادة تعادل مخيب لـ الآمال، وصدمة كبيرة، ومحاولة معرفة أسباب تأخر مستوى الكرة المصرية، وإزاي إفريقيا سبقتنا، السؤال اللي بقى له 70 سنة، وإيه اللي يخليك تسأل:
طب إمتى كنا متقدمين؟
المهم يعني حصل تبادل اتهامات وتساؤلات: لماذا لم يشارك حسن الشاذلي وعلي أبوجريشة وبوبو؟
إنما مش دا اللي قالق الجمهور أوي، جمهور الأهلي قلقان علشان الخطيب أصيب في الماتش، ورجله اتحطت في الجبس، والدكتور حسام شرارة اللي عمل له الجبيرة، بـ يقول إنه محتاج فترة طويلة لـ العلاج.
جمهور الزمالك والترسانة قلقانين علشان لسه هـ يتقابلوا في قبل النهائي لـ كاس مصر، وعملوا مباريات تجريبية مع أندية درجة تانية، والنتايج فيها مش مطمئنة لـ الفرقتين.
40 مليون مصري عايشين، دي كانت معظم اهتماماتهم قبل شم النسيم بـ يوم، تحديدًا 4 مايو 1975، إنما كان فيه سيدة وأمها، غير مهتمين بـ أي حاجة من دي، لـ إنه السيدة دي (فاطمة حسين عبدالرحيم) جات لها آلام الولادة، ومش معاها غير أمها، لـ إن جوزها مسافر الواحات في شغل.
الجيران ساعدوها، ودوها مستشفى "الإيمان"، حيث وضعت مولودها التامن، اللي كان مقرر سلفًا تسميته "عبدالمؤمن" إن كان ولد، ولـ تلك التسمية قصة وسبب نحكيهم في موضع آخر.
المهم، بعد 48 سنة، عبدالمؤمن بقى يعرف بـ اسم "مؤمن المحمدي"، وأهو قاعد دلوقتي يكتب هذا الكلام، ويفكر، من ساعتها لـ دلوقتي:
كل حاجة اتغيرت
ومفيش حاجة اتغيرت.