"معلومات الوزراء" يسلط الضوء على "دور العمل الخيرى"
سلط مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، في تحليل جديد له، الضوء على "دور العمل الخيري" الذي تقوم به جمعيات وكيانات المجتمع المدني بالتوازي مع المنظمات الدولية التنموية، لتكون شريكًا للحكومات المختلفة حول العالم لضمان مستوى حماية اجتماعية ملائم للأفراد في أي مكان، مشيراً إلى أن التسابق العالمي نحو تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030، وقيام الدول بوضع خططها الوطنية التي تضمن تحقيق المستهدفات، - والتي تتعرقل من حين لآخر؛ بسبب توالي الأزمات العالمية، بما أثقل كاهل الموازنات الحكومية وأعاقها عن تحقيق الحماية الاجتماعية المنشودة التي تقضي على الفقر وتحقق مستوى معيشيًّا أفضل للأفراد وغيرهم-؛ أوضح وأظهر أهمية تعزيز دور العمل الخيري.
وأشار مركز المعلومات إلى أن العمل الخيري هو نشاط يقوم به بعض الأفراد والجمعيات الخيرية، وكذلك المنظمات التنموية الدولية غير الهادفة للربح لتحسين جودة حياة الأفراد الأكثر احتياجًا، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والثقافية والسياسية، بدءًا من إمدادهم بالاحتياجات الأساسية للحياة من غذاء وكساء، لتتوسع الأعمال الخيرية إلى توفير الرعاية الصحية والسكن اللائق وكفالة الأيتام وتحسين المستوى التعليمي لأبناء الفقراء، بالإضافة إلى مساعدة الأسر الفقيرة وتمكينهم من إقامة مشروعاتهم الخاصة التي تضمن لهم حياة كريمة مستدامة، وعليه، يسهم العمل الخيري في رفع آثار الأضرار المترتبة على الأزمات الإنسانية، كما أنه له القدرة على دعم الخدمات العامة في مجالات الرعاية الطبية والتعليم والإسكان وحماية الأطفال، فضلاً عن تعزيزه لحقوق المهمشين والمحرومين ونشر الرسالة الإنسانية في حالات الصراع.
جدير بالذكر أنه مع تنوع الأعمال الخيرية، تنوعت في المقابل الجهات المساندة والقائمة على هذا العمل، ولم تعد مقتصرة على الأفراد والجمعيات الخيرية المحلية فحسب، بل امتدت إلى شركات القطاع الخاص في إطار التزامها بالمسؤولية الاجتماعية، كما أصبح الفاعلون في هذا القطاع الحيوي متخطين الحدود، بين العديد من المنظمات العالمية والإقليمية التي تختص بهذا الشأن كمنظمتي الهلال الأحمر واللجنة الدولية للصليب الأحمر، على سبيل المثال، مما أضاف لها الكثير من الجدية وتوسيع نطاق الاستفادة، حيث أصبح بإمكان الأعمال الخيرية إنقاذ أرواح ملايين البشر على مستوى العالم.
واتصالًا بذلك، تم إقرار الخامس من سبتمبر من كل عام يومًا عالميًّا للعمل الخيري بهدف توعية وتحفيز الأفراد والمنظمات غير الحكومية وأصحاب المصلحة المشتركة في جميع أنحاء العالم لمساعدة الآخرين من خلال التطوع والأنشطة الخيرية.
وأضاف المركز في تحليله أن القطاع الخيري يشهد العديد من الفاعلين وأصحاب المصلحة، ويرجع ذلك لتزايد أعداد حالات الطوارئ الإنسانية وتزايد حدتها، ومن أبرز أسباب نمو القطاع الخيري في الآونة الأخيرة:
1- ارتفاع معدل الفقر عالميًّا: فنظرًا لتوالي الأزمات العالمية، وآخرها جائحة كوفيد-19 والأزمة الروسية الأوكرانية، فقد ارتفع عدد الفقراء حول العالم ليبلغ نحو 719 مليون فرد عام 2020 مقابل 648 مليونا في العام 2019، قبل تراجعه لنحو 690 مليون فرد في العام 2021.
2- ارتفاع أعداد اللاجئين والنازحين قسرًا: حيث تسببت الصراعات والنزاعات، وانتهاكات حقوق الإنسان، وتوالي الكوارث الطبيعية، في ارتفاع أعداد اللاجئين لنحو 27.1 مليون لاجئ في عام 2021 مقابل 15.9 مليون في عام 2000، أي بزيادة تخطت ما نسبته 70% خلال عقدين، كما ارتفعت أعداد النازحين قسرًا إلى نحو 89.3 مليون نازح في عام 2021 مقابل أكثر من 38 مليون نازح عام 2000، أي بتضاعف قارب المرتين والنصف خلال عقدين، وفقا لإحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وتُجدر الإشارة إلى أن أعداد النازحين قسرًا واللاجئين قد تجاوز 100 مليون فرد، وتجدر الإشارة إلى أنه بنهاية عام 2021، بلغت نسبة اللاجئين الذين تستضيفهم البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل نحو 83% من إجمالي عدد اللاجئين البالغ 27.1 مليون لاجئ، باستثناء اللاجئين الفلسطينيين تحت ولاية الأونروا.
3- ارتفاع الإنفاق الحكومي على برامج الحماية الاجتماعية: حيث يمثل الإنفاق الحكومي على برامج الحماية الاجتماعية حائط صد قويا للأفراد ضد الأزمات المالية، وشهدت السنوات الماضية توسيع نطاق الحماية الاجتماعية في العديد من أنحاء العالم، لا سيما مع تزايد تأثيرات جائحة كوفيد-19 على صحة ووظائف الأفراد، بيد أنه رغم الدعم الدولي عانت العديد من حكومات البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من صعوبة تكوين حماية اجتماعية متناسبة؛ بسبب قصور التغطية والتمويل وإثقال الميزانيات الحكومية بالأعباء المالية التي تحجم قدرتها على التوسع في برامج الحماية الاجتماعية بشكل كبير.
4- إصلاح جودة حياة الأفراد والاقتصادات: حيث لم يعد العمل الخيري مجرد واعظ ديني وإنساني، بل أصبح مردود العمل الخيري لا يقل أهمية عن مردود العمليات الإنتاجية والمشروعات الكبرى التي تقوم بها الحكومات والقطاع الخاص، فالعمل الخيري أصبح شريكًا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية على حد سواء، من خلال:
- تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs): حيث إن هناك علاقة قوية بين تأثير العمل الخيري وتحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، فمن خلال المساعدة النقدية التي تشكل العنصر الأبرز في العمل الخيري، يتم تنفيذ العديد من البرامج التي تصب في صالح تحقيق العديد من أهداف التنمية المستدامة، مثل: القضاء على الفقر، والقضاء التام على الجوع، والصحة الجيدة والرفاهة، والتعليم الجيد، والمساواة بين الجنسين، والمياه النظيفة والنظافة الصحية.
- بالإضافة إلى إتاحة الفرصة لجميع أفراد المجتمع للمشاركة في عمليات البناء الاجتماعي والاقتصادي، بما ينمي لديهم الشعور الداخلي بالمسؤولية تجاه ذوي الحاجة، ويشعرهم بقدرتهم على العطاء، بما يحسن مشاعر السعادة لدى الأفراد.
- دفع النمو الاقتصادي في ظل إسهام العمل الخيري في توفير احتياجات الأفراد الأكثر احتياجًا وتحسين مستوى معيشتهم وبالتالي تزايد الطلب على السلع والخدمات من قِبَل أفراد المجتمع، بما يصب في النهاية في صالح تعزيز الدورة الإنتاجية للاقتصاد وإنعاش كافة قطاعاته وبالتالي رفع مستوى الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي بوجه عام.
- رفع مستوى التنمية المجتمعية من خلال اهتمام العمل الخيري بإصلاح جودة حياة الأسر عبر مساعدة الأسرة الفقيرة وتحويلها لأسر منتجة والعمل على رفع مستواها الصحي والتعليمي، ومع نجاح العمل الخيري في إعادة تأهيل وتنمية الأسر، ستكون النتيجة حماية المجتمع من مخاطر التفكك الأسري والأمية والأوبئة والجرائم المرتبطة بالفقر.
وذكر التحليل أنه في ظل التأكيد على تشعب وتنوع الفاعلين الرئيسيين في العمل الخيري، ظهر العديد من المؤسسات والجهات المحلية والدولية التي تركز على تقديم نظرة للاتجاهات الدولية للعمل الخيري بمختلف مفرداته، والتي نذكر منها: مؤشر العطاء العالمي، حيث تقوم المؤسسة الخيرية البريطانية CAF بإصدار مؤشر العطاء العالمي، والذي يقدم نظرة ثاقبة مجمعة حول نطاق وطبيعة العطاء في جميع أنحاء العالم؛ فقد تضمن تقرير عام 2022 بيانات 119 دولة، تمثل أكثر من 90٪ من سكان العالم البالغين، ويعتمد المؤشر العام للعطاء العالمي على ثلاثة معايير رئيسية، وهي: مساعدة أشخاص غرباء يحتاجون للمساعدة، التبرع بالمال لجمعية خيرية، التطوع بالوقت لمنظمة، وقد بلغت نسبة مؤشر العطاء العالمي 40٪ عام 2021 مقابل 35% عام 2020.
وتجدر الإشارة إلى أن وباء كوفيد-19 غيَّر مشهد سلوك العطاء العالمي، حيث أصبحت الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل كإندونيسيا وكينيا في مقدمة الدول الأكثر كرمًا عالميًّا.
وبالنسبة إلى أموال الزكاة والصدقات، أثرت أنشطة توزيع أموال صندوق الزكاة للاجئين التابع للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على حياة أكثر من 1.2 مليون مستفيد في 14 دولة عام 2021؛ حيث تلقى الصندوق أكثر من 23.6 مليون دولار من أموال الزكاة، وزادت أموال الصدقات عن 11.47 مليون دولار. وقد كانت دولة اليمن صاحبة الحصة الكبرى من أموال الزكاة والصدقات.
وأشار التحليل إلى بعض ملامح العمل الخيري في مصر حيث تم إطلاق المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" الهادفة إلى تحسين نوعية الحياة في أفقر المجتمعات الريفية ضمن إطار استراتيجية التنمية المستدامة، رؤية مصر 2030، من خلال الحد من الفقر متعدد الأبعاد ومعدلات البطالة، خاصة أن المبادرة تتضمن 4 محاور، وهي: تحسين مستويات المعيشة، والاستثمار في رأس المال البشري، وتطوير خدمات البنية التحتية، ورفع جودة خدمات التنمية البشرية والتنمية الاقتصادية على وجه الخصوص، وتتبنى تلك المبادرة تطبيق منهج التخطيط التشاركي من خلال دمج المواطنين في مرحلة تحديد الحاجة، إلى جانب مشاركة الحكومة والمجتمع المدني في عملية التنفيذ والمراقبة.
وذكر التحليل أنه بالفعل ظهرت طفرة العمل الأهلي الاجتماعي، التي تكللت بتوقيع ميثاق "التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي"، في منتصف مارس 2022، والذي يضم الاتحاد العام للجمعيات، وكل الاتحادات الإقليمية والنوعية، بالإضافة إلى مؤسسات وجمعيات المجتمع الأهلي الرائدة والهادفة لأن تكون لها بصمة ملموسة في مساعدة محدودي الدخل، ويستهدف هذا التحالف الأهلي، الأول من نوعه في مصر، التنسيق الفعال وتوزيع الجهود لتقديم الدعم والحماية لملايين الأسر من مستحقي الدعم، بالتنسيق بين أعضاء التحالف والدولة، التي حرصت على تقوية هذا التحالف من خلال تقديم الدعم المالي والفني له، ففي مارس 2023، أطلق التحالف مبادرته المدعومة من الدولة مبادرة "كتف في كتف" لتوزيع ملايين الكراتين من المواد الغذائية، بالإضافة إلى الآلاف من الوجبات الغذائية وقطع الملابس، على الفئات الأولى بالرعاية والأكثر احتياجًا في كافة أنحاء الجمهورية، بمشاركة الآلاف المتطوعين.
وعن متطلبات تعزيز الاستفادة من الجمعيات الأهلية الخيرية، أكد المركز في ختام تحليله إلى أن العمل الخيري للمجتمع المدني ومشاركته للحكومات في توفير الحماية الاجتماعية، أصبح أمرًا حتميًّا على المستوى العالمي، مما يتطلب رفع كفاءة العملية الإدارية لمنظمات المجتمع المدني القائمة على العمل الخيري، بما يضمن لها إنجاز مهمتها المجتمعية على نحو جيد، وهو ما يتطلب قيام الجمعيات الأهلية بتطبيق نظم الحوكمة ومعايير الامتثال والالتزام والشفافية والإفصاح، بما يضمن تحسين الصورة المجتمعية لها ويحفز الأفراد على دعمها ماليًّا وفنيًّا والتطوع فيها.
كما أفاد التحليل بأن العمل الخيري لم يعد ترفًا، بل أصبح عملًا فارقًا في حياة الملايين من الفقراء والمحتاجين، ومؤثرًا بطرق غير مباشرة على حياة الآخرين من غير المحتاجين، عبر حماية المجتمع ككل من مخاطر الفقر، فالعمل الخيري حاليًّا لا يقل أهمية عن تأثير الاختراعات والابتكارات على حياة الشعوب والاقتصادات.