سيناريوهات أزمة السودان تشعل الجبهة الليبية.. وخبراء: الأمن القومى للأشقاء واحد
تحمل الأزمة السودانية الأخيرة في طياتها الكثير من التعقيدات، خاصة أن الصراع بين الطرفين المتناحرين يشير لأزمة إقليمية ودولية، رغم أن الاختلاف حول الكثير من القضايا لم يكن جديدًا.
حكومة السودان بعد انتهاء حكم عمر البشير، كانت تقاد بطرفين يسعيان بشكل مباشر لتقاسم الحكم في البلاد، ولم تكن لها أسس قوية مبنية عليها لتفادي الإقصاء، وتداخل الاختصاصات.
أطراف الصراع في السودان
الطرف الأول هو القوات المسلحة السودانية "الجيش" وعلى رأسه الفريق أول عبدالفتاح البرهان، الذى تولى رئاسة المجلس العسكري بعد الإطاحة بحكم البشير 2019.
الطرف الثاني هو مجموعة "الدعم السريع" برئاسة محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي" والذي شكل مجموعة مسلحة سميت بـ"الجنجويد" في التسعينيات.
وسيطرت "الجنجويد" في هذا التوقيت على مناجم الذهب في دارفور، وكانت سببًا في تكوين "حميدتي" ثروة صرف منها على تسليح "المجموعة" والتي عرفت فيما بعد باسم "الدعم السريع".
الرئيس السوداني عمر البشير ضم قوات الدعم السريع واعتمد عليها في أحداث دارفور 2013، لمساندة الجيش السوداني في ضبط الموقف هناك.
منح "البشير" "حميدتي" رتبة عسكرية وامتيازات كبيرة في محاولة لاسترضائه، وفي 2017 صدر قانون رسمي بصفة "الدعم السريع" قوة أمن مستقلة.
"حميدتي" بعد تشكيل المجلس العسكري برئاسة "البرهان" في 2019 أصبح نائبًا له وتقاسما السلطة بعد قفزه من مركب "البشير".
اتفاق جوبا وانقسام السودان
دمج "الدعم السريع" ومجموعات أخرى من القوات المسلحة السودانية، كان نتيجة لاتفاق جوبا، فطرفا الصراع في السودان" البرهان" و"حميدتي" كانا الجبهة التي أطاحت بحكم البشير.
انقسام الطرفين كان سببه الأساسي تسليم السلطة، حميدتي كان يريدها عملية طويلة تمتد لـ10 سنوات، أما البرهان فكان يريدها قصيرة في سنة واحدة فقط، ولرأب الصدع وقع الجيش والقيادات السياسية اتفاقات لإنهاء الأزمة، إلا أنها لم تدخل حيز التنفيذ.
وفي أبريل الجاري، شكلت السلطة العسكرية والمدنية مفاوضات لتشكيل حكومة مدنية، وهو الشرط الأساسي لعودة المساعدات الدولية للسودان، إلا أن الاتفاق فشل لخلافات حول دمج "الدعم السريع" في "الجيش"، وهو أساس اتفاق جوبا.
المكون المدني المنقسم في السودان إحدى أبرز النقاط الأساسية التي أثقلت كاهله، فلا اتفاق تم على الفترة الانتقالية، أو الدستور، أو الموقف من طرفي الصراع المسلح "الجيش والدعم السريع".
الجنجويد والفاغنر
بحسب تقرير للأمم المتحدة، فإنه في مايو 2019 تم توقيع عقد في العاصمة السودانية الخرطوم، نشر بموجبه 1000 من قوات الدعم السريع بأمر من "حميدتي"، وسيطروا على طرق العبور وتهريب الوقود في أماكن وجودهم.
أصبح وجود الجنجويد في ليبيا مرتبطًا بوجود الفاغنر الموجودين في ليبيا، وفي الأحداث الأخيرة أصبح "حميدتي" يسير قواته على الحدود مع ليبيا وتشاد، باتفاق مع الدول الأوروبية لمنع المهاجرين من التوجه إلى قارتهم العجوز، وهو ما ضمن له الدعم الأوروبي.
مسارات الأزمة في السودان
وطرح المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية سؤالًا في ورقة بحثية حول مسارات الأزمة فى السودان وتأثيرها على ليبيا، وقال إنه في حال سيطرة الجيش السوداني بقيادة البرهان على المدن الكبرى فسيكون خيار "حميدتي" إذا رفض الاستسلام، هو اللجوء إلى دارفور وحدود تشاد وإفريقيا الوسطى، وفي حالة اللجوء لدارفور فالأمر بالنسبة لـ "حميدتي" سيكون صعبًا للغاية كونها موضع تمركز أعدائه.
وأكد المركز أنه كلما امتد وقت الأزمة، بات "حميدتي" وقواته في موقف صعب، إلا في حالة حدوث انشقاق داخل الجيش وهو الأمر الذي عول عليه، إلا أن السحر انقلب على الساحر، حدث العكس عندما انشق قائد الاستخبارات العسكرية للدعم السريع ووضع نفسه وقوته تحت أمر الجيش.
تبعات الأزمة في السودان على الجنوب الليبي
في السياق ذاته، حذر المركز الليبي للدراسات الأمنية والعسكرية من تبعات الأزمة السودانية على الجنوب الليبي، واضعًا عدة سيناريوهات لتأثير الأحداث الأخيرة على المسرح الليبي.
السيناريو الأول هو انهيار قوات "حميدتي" أمام ضربات "البرهان"، وفي هذا السيناريو دلالات وانعكاسات قد تزيد من تأزم المنطقة، وسيكون تأثيرها على الجنوب الليبي كبيرًا، ويزيد من احتمالية انتشار قوات الجنجويد خارج الأراضي السودانية، خاصة في الجنوب الليبي الهش عسكريًا وأمنيًا، فى ظل اعتماد أطراف محلية ودولية بالمرتزقة لتنفيذ مخططاتهم في المنطقة.
بحسب الورقة البحثية للمركز، فإن هذا السيناريو سيؤثر سلبًا على مهام نشر القوات الليبية في الجنوب، والقضاء على المرتزقة، وانتشار السلاح خارج سيطرة الدولة، وتواجد الجيش الليبي في الجنوب، وكذلك تأمين الحدود الليبية مع تشاد والسودان ونيجيريا.
السيناريو الثاني وهو تقدم قوات "حميدتي" في معركته الدائرة مع الجيش، واستيلاؤها على سدة الحكم في السودان، وهو ما سيربك المشهد كذلك وسيجعل الصراع الأمريكي- الروسي في المنطقة مفتوحًا، وسيكون التعاون مع روسيا أمر ليس في صالح أمريكا، مما يفتح الباب لوجود أزمة أخرى في تشاد، وفي هذه الحالة سيكون تأثيرها الأمني والعسكري على جنوب ليبيا سيئًا.
والسيناريو الثالث هو طول أمد الأزمة بين الطرفين المتناحرين في السودان، وتفاقم الأوضاع المعيشية للسودانيين، مما يتسبب في موجات نزوح كبيرة لدول الجوار السوداني، وعلى رأسها ليبيا.
الأمن القومي
من ناحيته، قال اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، إن أمن الأشقاء في ليبيا والسودان من أمن مصر القومي، مؤكدًا أن في استقرار السودان استقرارًا لمصر وليبيا ولحدودهما المشتركة.
وأكد في تصريحات خاصة لـ"الدستور" أن مصر تدرك جيدًا تداعيات الموقف، ولذا سارعت برفع درجة الاستعداد بالتأمين الحدودى فى مواجهة أي عناصر إرهابية ومخربة تسعى لاستغلال الموقف.
وأضاف: حدودنا المشتركة مع السودان مهمة، فالقاهرة والخرطوم تشتركان في تأمين البحر الأحمر الممر الرئيسي لثلث التجارة العالمية.
وتابع فرج: القوات السودانية مشغولة بتأمين الداخل، وبالتالي تأمين الحدود مع مصر وليبيا بالنسبة لها صعب للغاية، ويحتاج منا مجهودًا مضاعفًا، وهو ما تقوم به قواتنا على الحدود، مشددًا على وجوب يقظة مصر، وتأمين حدودها ومنع أية محاولات لخرق الحدود.
انعكاسات خطيرة
وأكد مدير مركز الإعلام الليبي للدراسات، محمد فتحي، أن الدولة الليبية وخاصة في الجنوب لا تزال تعاني من التجمعات الإرهابية التي تنشط بين الحين والآخر، وبغض النظر عن النتائج التي ستؤول إليها الأوضاع في السودان، ستكون هناك انعاسات خطيرة جدًا على الأوضاع الأمنية في ليبيا، كون الحدود المشتركة مع السودان ستكون حقلًا خصبًا لتحركات الجماعات الإرهابية التي تنشط في وجود الصراع، وستجد في السودان ملعبًا جديدًا وملاذًا آمنًا وتنطلق من خلالها للأراضي الليبية.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"الدستور": يجب على المسئولين في ليبيا التسريع بشكل كبير في إقرار الحلول السياسية وتوحيد المؤسسة العسكرية والأمنية، وعدم وجودها سيعكس تداعيات خطيرة على الأمن القومي الليبي والعربي، خاصة أن الجنوب الليبي يمثل ثغرة في أمنها، وبالتالي فإن سوء الأوضاع في السودان سينعكس على هذا الأمر، في حين أن المرتزقة سينتشرون بشكل كبير في الجنوب ويستفيدون من عدم توحيد المؤسسة العسكرية، وإحكام الجانب الليبي سيطرته على الحدود، وستكون الأراضي الليبية مسرحًا للعمليات، وسيؤثر بالسلب على أمن ليبيا القومي، وأمن دول الجوار.
وشدد "فتحي" على ضرورة أن تكون هناك معالجات سريعة للمؤسسة العسكرية في ليبيا، وإذا طال أمد الأزمة في السودان، بهذه الأوضاع في ليبيا، سيكون الجنوب ثغرة حقيقية، وسيكون هناك مزيد من الانفلات الأمني، وهو ما سيدفع بالجيش الليبي لضرورة اتخاذ إجراءات متتالية، وتأمين حقيقي للحدود.
وعن تأثير الأوضاع في السودان على ليبيا، أكد "فتحي" أن التأثير سيكون مباشرًا وخطيرًا، وسيكون تمهيدًا لتنافس جماعات الإرهاب والتطرف، مشيرًا إلى أن خريطة الميليشيات في ليبيا معقدة وتحتاج لقراءة من المسئولين عن الأمن القومي العربي، وليست دول الجوار فقط.