«أيام العطش والحرب 4».. أحمد سويلم: حرق العلم الإسرائيلى كان أكبر من العطش
كان الشاعر أحمد سويلم نقيبًا بسلاح الإمداد والتموين، وكانت مهمته الكبرى توفير الوقود على الجبهة باستمرار، لذلك كلما أمدوا جسورا عبر القناة ضربها العدو، لكنهم نجحوا في العبور كثيرا، ونجحوا في إمداد الدبابات والمدرعات وغيرها بما يكفي، وكان مساهمًا في النصر العظيم، نصر أكتوبر.
وكتب سويلم تجربته والعديد من القصائد التي أرّخت للانتصار العظيم، وفي هذا الحوار يحكي الشاعر أحمد سويلم عن أيام العطش والحرب، وهل أوفينا أكتوبر حقها من الأدب، وعن رؤيته للجيل الجديد وكيف نقوم بتعريفه بهذه الحرب العظيمة.
وإلى نص الحوار..
الشاعر أحمد سويلم.. كيف يمكنك أن تصف أيام أكتوبر ومعايشتك لها؟
تصور أنك تعيش سنوات ست على أمل يذهب ويجيء، يتجلى ويختفي، حتى كاد اليأس أن يتسرب إلى داخلك، وفجأة وجدت نفسك مدفوعًا إلى هذا الأمل، ومطالبا بالتضحية من أجله، لا بد أن تُسقط من داخلك حسابات الخوف واليأس، وليكن ما يكون.
لقد كنت ومعي الكثيرون يتحسرون على سيناء وهي في أيدي الأعداء، حتى جاء اليوم الذي عبرنا فيه إليها، وكان أول شيء فعلته هو أن قبّلت رمالها واحتفظت منه بزجاجة في بيتي إلى اليوم، لقد كانت تجربة من نوع خاص، تجربة استعادة الحلم، والروح، والأرض، وعشتها بكل ما أملك من إحساس وفكر.
العديد من القصائد التي نشرتها في مجلات مثل النصر والهلال وغيرها تدور في فلك الحرب، لكنك لم تضمها في دواوين.. لماذا؟
لقد كانت قصائد آنية زاعقة الصوت تشبه الأغاني الوطنية، عبرت بها بصدق عن لحظات العبور والنصر، لكن القصيدة عندي دائما تخضع لعمليات أخرى ليس من بينها الانفعال الآني، إن القصيدة لا بد أن تعيش داخلي فترة من الزمن حتى تنضج وتكتمل، لهذا تجد إشارات كثيرة فيما بعد الحرب منثورة في قصائدي ولا تجد تلك القصائد الآنية في أي ديوان.
بتجربة مثل تجربة الحرب خاصة أنك كنت في سلاح الإمداد والتموين لها جذور عالقة بذهنك.. كيف تصف هذه التجربة؟
كنت في سلاح الوقود بالفعل، وكنت في الجبهة منطقة الإسماعيلية في الأيام الأولى من بدء الحرب، وكان القسم الذي أقوده- كنت برتبة نقيب- مسئولا عن إمداد الجيش الثاني، وعلينا أن نمد أنابيب الوقود على صفحة القناة إلى الضفة الأخرى، وكلما قصفها العدو أسرعنا بإصلاحها، حتى لا يتوقف ضخ الوقود إلى الجيش.
كنا نعمل ليل نهار بسعادة بالغة، وحماسة لا تفتر ولا تلين، لأن الموقف يستحق ذلك، ونملك المتابعة الدائمة التى تتطلب اليقظة والحرص على وجود رصيد من الوقود دائما لا يقل عن نسبة معينة لمجابهة الطوارئ.
هل ترى أنك أوفيت حرب أكتوبر في التعريف عنها أدبيًا؟
أنا لم أكتب الشعر فقط لكني كتبت مذكراتي اليومية ونشرت جانبًا منها في كتابي "مذكرات الفتى الشاعر" تحت عنوان "شاعر تحت السلاح"، لكن الحق يقال إن ما حدث كان عظيما بكل المقاييس، ويستحق أكثر مني ومن غيري.
هل ترى أننا في مصر كفينا حرب أكتوبر من التناول في الأدب والفن أيضًا؟
أرى أن أيام أكتوبر لم تأخذ حقها أدبيا وفنيا بالرغم من أنها لا تقل أهمية عن الحروب الأخرى التي قدمتها أفلام كثيرة، ولا أدري لم هذا التخاذل، وأظن أن ما حدث من عدم استمرار الجيش المصري في تحرير سيناء وأحداث الثغرة وما صاحبها كانت عوامل أبعدت وشككت في نصر أكتوبر، فأعرض الكتاب والفنانون عن تسجيل هذه الحرب، لكن هناك رؤية وثائقية جيدة لما حدث.
هل يمكنك أن تحكي لنا عن أيام العطش والحرب في أكتوبر وكيفية تذكرك لهذه اللحظات؟
في الحقيقة نحن لم نكن نهتم بالطعام ولا بالشراب، أو حتى الاطمئنان على ذوينا وعائلاتنا، لأن هناك هدفًا أكبر هو هدف التحرير وكان أقوى من كل ذلك، ويكفي أن أقول لك إن "الزمزمية" المملوءة بالمياه كان يقتسمها عشرون فردًا، وكنا نقتات على الطعام المجفف، ونصوم طوال اليوم في رمضان، وبالرغم من ذلك لم نشعر بقسوة الطروف لأننا كنا نتوق إلى رفع العلم المصري على سيناء، وحرق العلم الإسرائيلي وهذا أجمل أهدافنا.
هل ترى أننا في حاجة لمسابقات أدبية تكرس لهذه النوعية من الأدب؟
قبل أن نفكر في ذلك يجب علينا توعية الجيل الجديد بحرب أكتوبر العظيمة، وأن نذكر لهم ما حدث في الحرب المجيدة، ولن يحدث ذلك بغير تدريس ذلك في مناهج التعليم المختلفة، بأسلوب شيق وصادق، لأن الجيل الجديد لا يعرف شيئا عن هذه الحرب للأسف، ولم يعشها كما عايشناها، وأظن أنه كلما جاءت ذكرى أكتوبر تكتفي المؤسسات الثقافية بإقامة ندوات وأمسيات، وهذا لا يكفي، لأن روح أكتوبر لا يكفيها يوم واحد، ولا حتى شهر واحد، ولكن لا بد أن تكون أسلوب حياة يوميا، يتضمن العمل والجد والقدرة على العطاء وحل مشاكل الحياة.
لماذا في رأيك لم يتم عمل مشروع كتابي كامل من أدباء عايشوا الحرب؟
لقد قمت ببعض المحاولات في هذا السياق، منها سلسلة "التحرير" التي أشرف عليها الراحل جمال الغيطاني، ولكنها كانت محدودة وفي إطار الذكريات، وأنا أضم صوتي لصوتك قبل أن يرحل عن الدنيا ما تبقى من هذا الجيل الذي خاض الحرب وحقق النصر.
إنها مسئولية وزارة الثقافة وإدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة، وهذا السجل سيكون مرشدًا للأجيال القادمة وتأريخًا صادقًا يليق بأكتوبر.
ما المناطق المجهولة التي تحتاج لتأريخ في رأيك؟
هناك بطولات فردية مجهولة مختفية تستحق إلقاء الضوء عليها، منها مثلا بطولة الجندي المصري ومواجهته للدبابات ببندقية عادية، ومنها كيف تصرف الجنود في إزعاج العدو في الثغرة وكيف كانوا يهاجمونه بشراسة، ومنها بطولة سلاح الإمداد والتموين في توفير الإعاشة باستمرار برغم الصعوبات التي قابلها، ومنها التضحية الفردية لحماية الزملاء على الجبهة.
ومثل هذه المواقف تسستحق أن تسجل وتصبح حكايات وقصصًا لكل من يريد أن يعرف ماذا حدث في أكتوبر.