الأم في عيدها
حمدى سليمان يكشف علاقة والدته بطيور النورس وأسباب هجرتها الجماعية
يكشف الكاتب والناقد الأكاديمي حمدي سليمان في دهشة تلك العلاقة الوطيدة التي جمعت والدته بطيور النورس ومحبتها وأهل قريته للبلاجات وعشقهم القديم المتجدد لأسماك البحيرة من البورية لأم الخلول إلى جانب كل هذا يروى سيرة الحرب الموجزة «النكسة» التى أزاحت الطيور وأجبرتها على هجرة جماعية يستعيد حمدي سليمان بذاكرة مخضبة بجرح الهزيمة والهجرة سنوات الفرح والدهشة، في السطور التالية يقدم الكاتب والناقد والأكاديمي حمدي سليمان شهادته عن الأم وعيدها في السطور التالية:
حمدي سليمان: «أمي وطيور النورس»
قال الكاتب والناقد الأكاديمي حمدي سليمان «لم أكن أعرف سر علاقة والدتي رحمة الله عليها بطيور النورس، وحرصها الشديد على الذهاب إلى كوبري البلاجات كل فترة لتتأمل النوارس وهي تتراقص على مياه بحيرة التمساح، كانت تحكي لي عن عشق سكان البحيرة لطيور النورس، كما يعشقون أيضًا أم الخلول وأنواع أسماك العائلة «البورية» التي تعيش في البحيرة وقناة السويس، وأشهرها سمك «السهلية» الذي يحتاج لنار هادئة ومعاملة خاصة في الشى، وكيف يحتفظ سكان الإسماعيلية بطابع محلي في طريقة إعداد الوجبات البحرية وخاصة شي الأسماك».
«وأتذكر هنا ما كان يُحكى عن مشهد فزع وهرب طيور النورس من تلك المدينة- الحديقة- الهادئة أثناء حرب 1967 حيث كانت تهرب الطيور بسرعة جنونية من المدينة، فمعارك الليل والنهار لم تترك للطيور فرصة للحياة فوق الأشجار ولا على سطح الماء والأرض، أغرب هجرة جماعية لكل أنواع الطيور يمكن لإنسان أن يشاهدها أنها تهرب شمالًا وغربًا وجنوبًا في وقت واحد وبأعداد لا حصر لها».
وتابع سليمان «كما أتذكر فرحة أمي والأسرة بنزهة شم النسيم وفسحة الفلوكة في بحيرة التمساح، حيث يتوقف الصيد في ذلك اليوم ويخرج سكان المدينة بشكل جماعي منذ الصباح الباكر إلى الحدائق والشواطئ والبحر، احتفالًا بقدوم فصل الربيع، يخرجون في كرنفال شعاره محبة الحياة للاحتفال بالطبيعة على أنغام آلة السمسمية، حاملين معهم البهجة والسعادة وأكلاتهم، في مواجهة كل ما عاشته مدينتهم الحديثة من معاناة وحروب، حيث ظلت تلك المدينة معتزة بتفردها تعشق الفن والجمال يميزها تاريخها الوطني المشرف في الصمود والمقاومة وولعها الجنوني بكرة القدم ودراويشها وطقوس حريق دُمية اللمبى، وغيرها من السمات التي تعبر عن خصوصية هذه المدينة، ونمط حياتها الذي طالما تراوح بين الفانتازيا والواقعية».
وختم سليمان «الآن كلّما مررتُ على البحيرة ورأيت طيور النورس ذات الأجنحة البيضاء تذكرت محبة أمي لتلك الطيور التي تأتي من بعيد بحثًا عن الدفء، على شواطئ القناة وبحيرة التمساح، ويعرفها جيدًا سكان الإسماعيلية، عشقت هذا الطائر وفاءً لمحبة أمى، فهو طائر جميل وذكي يتغير لونه حسب عمره، يعدو على الأرض بسرعة ويعوم ويسبح برشاقة، ويغوص في الماء كالسهم، يحب الترحال كما هو حال البشر الذين يسعون في مناكب الأرض بحثًا عن الرزق».