فش الغل
يوم بعد يوم، دور السوشيال ميديا الأساسي بـ يزداد وضوحا، وهذا الدور هو "التعويض".
يعني، كان الناس يظنون وقت ظهور فيسبوك وتويتر وغيرهما إنه دي مساحة مناسبة لـ مشاركة المشاعر وتبادل الأفكار، بـ النسبة لـ المشاعر، الإيجابية منها لما تتقسم على اتنين، تزيد، والسلبية لما تتقسم على اتنين تقل، فـ هي فرصة لـ مضاعفة الأفراح وزيادة الطاقة، أو تخفيف الآلام والمواساة.
بـ النسبة لـ الأفكار، فـ إحنا عندنا موضوعات مختلفة ومتباينة ومتنوعة في كافة المجالات، فـ فيه فرصة إننا نشوف الموضوع من زوايا مختلفة، ونتداول معلومات أكتر عنها، ونزود بـ شكل عام معرفتنا عن هذا الموضوع أو ذلك، لكن لـ الأسف كل دا مش بـ يحصل إلا فيما ندر.
الدور الأهم هو "التعويض"، التعويض عن كل ما يقابل المواطن ويعانيه في حياته الشخصية هو، ودا ناتج من إننا في حياتنا بـ نواجه ضغوط كبيرة جدا، لو فكرنا هـ نلاقي كتير منها ممكن جدا ما نبقاش مطالبين بيه، لكن الجماعة لا ترحم، والكل لا يتوقف عن تقييم الكل في كل الأمور تقريبا.
لـ ذلك، عادي جدا، ممكن تلاقي شخص ظروفه جيدة، أو أكثر من جيدة، لكن أهله ومراته وأهل مراته وجيرانه وأهل جيرانه لا يتوقفون عن مطالبته بـ أمور لا تعنيهم، إنت ما اتجوزتش ليه؟ إنت ما خلفتش ليه؟ معقولة ما عندكش عربية! معقولة لسه ساكن في الحتة دي؟ ولادك في مدرسة إيه؟ مرتبك كام؟ محوش كام؟ إلخ إلخ
من هنا بـ يبدأ المواطن يحس غالبا إنه فاشل أو على الأقل مقصر، مواطن مهزوم مش مأزوم بس، لأ مهزوم. مواطن فايته حاجات كتير لـ إنه ما كانش قد التحدي، واللي زاد الطين بلة، أو البلة طينة مش عارف، حكاية التنمية البشرية بـ كافة تجلياتها، وصدق حلمك، واخرج من الكومفروت زون، وإلخ إلخ.
من هنا، المواطن بـ يبقى عنده حساب على السوشيال ميديا، بـ ينتهز هذه الفرصة لـ تعويض كل هذا بـ الصراخ والهيستريا، وإلقاء اللوم على كل حاجة وأي حاجة وأي حد، هو بـ يفتح الحساب متأهب لـ وضعية الهجوم، لـ درجة إنه اللي بـ يحبوا الصيف واللي بـ يحبوا الشتا بـ يحملوا بعض مسئولية تعاقب الفصول (حتى لو بـ هزار إلى حد ما)،
الناس (بـ شكل عام) بـ يدخلوا يدوروا هـ يتخانقوا مع مين؟ ويتهموا مين؟ ويهاجموا مين؟ ويحقروا من شأن مين أو إيه، ويدوروا بـ منكاش على أي خبر أو كلمة أو تعليق أو تصريح، علشان يمارسوا استقواء إلكتروني، يظهروا فيه بـ اعتبارهم فاهمين وناس كمل وصح، لولا بس الأغبيا والمتخاذلين هم اللي منهم لله.
أنا بـ أندهش جدا لما بـ أقابل ناس في الواقع، وألاقيه شخص عنده حاجات مهمة وأفكار جيدة ومعلومات مهمة، لكنه لا ينشرها في فيسبوك لـ إنه مشغول بـ معارك وتريندات ومشاكل وتحفيلات هو بعيد عنها، ولـ إنه بعيد عنها بـ يقول أي هراء، المهم إنه "يفش غله".
طبعا أنا عايز اللي عنده غل يفشه ويرتاح، بس أصلا يكون عندك غل، ما الحياة واسعة، إهدا وقابل الأمور بـ بساطة، وإنت هـ تبقى زي الفل وتفيد وتستفيد، إهدا يا صديقي، وصدقني: فاضية زي محملة.