في دراسة حديثة.. «المصري للفكر» يناقش تصاعد نشاط حركة طالبان باكستان
منذُ إعلان حركة طالبان باكستان، في 28 نوفمبر 2022، عن إلغاء العمل بوقف إطلاق النار مع الحكومة الباكستانية، اتجهت كافة الأنظار إلى باكستان بعد إصدار الحركة أوامرها لمقاتليها بشن هجمات دامية في شتى أنحاء البلاد؛ وهو ما عُدّ مؤشرًا على أن باكستان ستصبح خلال العام 2023 على موعد مع سيناريو التصاعد الملحوظ في أعمال العنف المرتبطة بتنامي نشاط حركة طالبان باكستان، مُستغلة انشغال حكومة إسلام أباد في مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي عصفت بالبلاد خلال العام المُنصرم ولا تزال مستمرة حتى الآن.
في هذا السياق، أجرت مني قشطة، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة بحثية جديدة عبر المركز، لاستعراض ملامح وتداعيات تصاعد نشاط حركة طالبان باكستان.
تصاعد ملحوظ
تري الباحثة أنه على إثر انهيار اتفاقات وقف إطلاق النار التي لطالما وُصفت بـ”الهشاشة” بين الحكومة الباكستانية وحركة طالبان باكستان في نوفمبر الفائت، تصاعدت هجمات الأخيرة ضد قوات الأمن الباكستانية؛ فوفقًا لتقرير مركز البحوث والدراسات الأمنية الباكستاني (CRSS) نفذت الحركة أكثر من 20 هجومًا في شهر ديسمبر وحده في إقليمي خيبر بختونخوا وبلوشستان، كان من أبرزها قيام عناصر الحركة في 18 ديسمبر الماضي باحتجاز عدد من رجال الشرطة في مركز تابع لإدارة مكافحة الإرهاب في منطقة بانو شمال غرب البلاد.
كما تصاعدت هجمات الحركة خلال شهري يناير وفبراير الفائتين؛ حيثُ أكدت طالبان باكستان في بيان لها تنفيذها لـ 29 عملية مسلحة ضد الجيش وقوات الأمن الباكستانية في مختلف مناطق البلاد خلال فبراير الماضي، مشيرة إلى أن أنها أدت إلى سقوط وإصابة 127 من عناصر الأمن وتدمير خمس من دوريات الجيش، ودورية للشرطة، علاوة على تخريب ثلاثة مبان للشرطة الباكستانية، ونُفذت معظم تلك العمليات في المناطق القبلية ومناطق الشمال الغربي المحاذية لها.
وتابعت الدراسة أنه ثمة مجموعة من العوامل التي تمثل محفزًا لحركة طالبان باكستان لتصعيد هجماتها على الجغرافيا الباكستانية، أبرزها تزايد مكامن قوة الحركة: حيث تعكس حالة العنف الشديدة التي تشنها حركة الباكستانية مؤخرًا في باكستان، مع تزايد عناصر قوتها ماديًا ومعنويًا، وهو ما انعكس أيضًا في إلغاء العمل بوقف إطلاق النار -الأحادي الجانب- من قبل الحركة في نوفمبر الماضي، وإصرارها على مطالبها في المفاوضات مع الحكومة التي باءت نُسخها المتكررة بالفشل، إلى جانب نجاح الحركة في تعزيز الفعالية التكتيكية لعملياتها الحركية، وتوسيع كادرها من المقاتلين المُدربين، والأسلحة، والمعدات التي فاقت قدرات قوات الشرطة في بعض المناطق.
وأكدت أن ذلك تنامى من خلال قيام الحركة بتعزيز مكونها البشري عبر ضم عدد من المجموعات المتشددة المعارضة للحكومة الباكستانية، بينها ثلاث مجموعات باكستانية تابعة لتنظيم القاعدة، وأربعة فصائل رئيسة كانت قد انفصلت عن طالبان باكستان في عام 2014، بالإضافة إلى دخول حكومة إسلام أباد في مفاوضات مع الحركة؛ إذ يرى البعض أنها بمثابة “هدنة تكتيكية” مثلت فرصه سانحة لها للملمة قواتها والتقاط أنفاسها للعودة لشن هجماتها بقوة في الداخل الباكستاني، علاوة على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان أواخر عام 2021، وهو ما مكن الحركة من الإفلات من وطأة الضربات الجوية الأمريكية التي كانت تستهدفها. وكذا حصلت الحركة الباكستانية على المعدات العسكرية المتطورة التي خلفتها القوات الأمريكية المُنسحبة، إلى جانب استعادة الحركة لعناصرها المجندة في أفغانستان.
وتابعت «قشطة» في دراستها أن عوامل تنامي عمليات طالبان تمثلت في ضعف قدرات قوات الشرطة الباكستانية، بالإضافة إلى الغاء الحركة للعمل باتفاق وقف إطلاق النار مع حكومة إسلام آباد، وتعثر المحادثات بينها وبين الحكومة، هذا بجانب الرد على ضربات قوات الأمن الباكستانية، وتعزيز القدرات التمويلية للحركة.
وأوضحت الدراسة أن تصاعد نشاط حركة طالبان باكستان في ظل بيئة أمنية وسياسية مضطربة، يحمل العديد من التداعيات ذات الطابع المحلي والخارجي، أهمها تزايد الغضب الشعبي ضد الحكومة الباكستانية، وتفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة، كما أنه تُزيد هجمات حركة طالبان باكستان من خطر التهديدات الإرهابية في المنطقة، وهي التهديدات التي تصاعدت المخاوف حولها منذ عودة حركة طالبان الأفغانية للحكم في أفغانستان، وتزايد المساحة المخصصة كملاذات آمنة للكثير من التنظيمات الإرهابية على الأراضي الأفغانية في كنف ورعاية طالبان.
واختتمت الباحثة دراستها بترجيح استمرار وتيرة العنف المرتبطة بتنامي نشاط حركة طالبان باكستان خلال العام الجاري، في ظل وجود جملة من المحفزات في مقدمتها انشغال حكومة إسلام أباد في مجابهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعصف بالبلاد، وتزايد عناصر القوة التي تمتلكها الحركة مقابل العقبات التي تحد من قدرات قوات الشرطة في التصدي لهجماتها الدامية، كما يرجح أن يتوقف مستقبل الصراع بين الحركة والحكومة على فعالية المقاربة التي ستنتهجها القوات الباكستانية في مواجهة نشاط الحركة، لا سيما أن بعض التحليلات ترى أن هزيمة الحركة عسكريًا عبر عملية عسكرية شاملة قد لا يكون مُجديًا بدرجة كبيرة، بالنظر إلى أن عناصر الحركة في الوقت الراهن لا يتمركزون في منطقة بعينها، وينتشرون بصورة مشتتة، وهو ما يصعب من عملية استهداف عناصرها.
وأشارت إلى ثمة عامل آخر سيحدد مستقبل هذا الصراع، وهو درجة التوتر في العلاقات القائمة بين حكومة إسلام أباد وحركة طالبان أفغانستان في ضوء الارتباطات الكبيرة بين الأخيرة ونظيرتها الباكستانية، وقدرتها على توجيه دفة المفاوضات بين طالبان باكستان والحكومة بما يخدم مصالحها.