اللى.. يقدر على قلبى
"اللي يقدر على قلبي" أوبريت لطيف جدًا، كلمات رشيقة خفيفة الظل، تجميعة ألوان من الموسيقى ما أعتقدش حد يقدر يعملها غير محمد عبدالوهاب، وكمان يلضم الألوان المتباينة دي فـ تحس إنها نسيج واحد، رغم إنها المفروض بعيدة جدًا.
لكن بعيدًا عن كونه عمل فني، فـ هي بـ تقدم تشريح مبسط جدًا لـ شريحة "الأبر ميدل كلاس" في الأربعينيات قبل حركة الظباط في يوليو، اللي هم معاهم فلوس، بش مش باشوات ولا من الأعيان، بـ التالي عندهم طموحات وتطلعات، هـ يصورها الأوبريت في طلب ود الأميرة (الحبيبة).
عندنا واحد وارث، وواحد كادح، وموظف ميري، ومهاجر مقيم من بلاد الشام، أعتقد دول أبرز عناصر الفئة اللي بـ نتكلم عنها، لكن الأهم هنا هو كل واحد بـ يقدم نفسه إزاي؟ وإيه فكرته عن مميزاته؟ وإيه الصورة الذهنية المتكونة عنه، اللي هي بـ الطبع صورة كاريكاتورية ذكية.
الوارث هو شخص كوميدي، هو نفسه كوميدي مش بـ يقدم كوميديا، ولا دمه خفيف، لا، هو نفسه مثير لـ الضحك، والمزيكا اللي اقتبسها عبدالوهاب هنا هي من عمل لـ "لوريل وهاردي"، اللحن اسمه رقصة الوقواق لـ توماس هاتلي، ما علينا من دي، الفكرة إننا أساسًا قدام شخصية كارتونية.
الشخصية دي تركيزها بـ الطبع على ظروف عيلتها وما تمتلكه من عقارات وأطيان، اللي هو نفسه مش فاهم الظروف دي، ولا عنده حصر بيها (أطيان كتير مالهاش عدد) ومعلوماته عن العزبة إنها في شبرا اليمن (بلد موجودة فعلًا).
كل مميزات هذا الشخص إنه محظوظ، كان عنده 12 أخ اتوفوا جميعًا، وفضل هو، وحتى بـ يتكلم عنهم بـ اعتبارهم إخواته، دول ولاد ماما، وماتوا فـ دا كويس عشان مش هـ يشاركوه الميراث.
الكادح مش كدا، هو لهلوبة ودمه خفيف، عصامي، "قنى" من الفول والطعمية 4 عمارات (الكورال هنا منبهر من الرقم: 4 عمارات 4 عمارات)، كما إنه يمتلك قدرًا لا بأس به من الرومانتيكية، فـ العرض بتاعه كان صورة مجازية مركبة (هـ يعمل روحه شمعة، وهي تمشي على رموشه، والشمعة تفضل والعة) وشيء في منتهى البلاغة الشعبية.
إنما هو مش زي الوارث، الوارث حاسس إنه رفض عرضه يعني ضياع مستقبله (ما تضيعيش مستقبلي) الكادح قدم عرضه السخي وخلاص، متخيلًا دائمًا إنه عرض لا يمكن رفضه، هو لا يتوسل مطلقًا، ولا يضحي، إنما يعطي من فيض ما لديه.
المضحي هو الموظف الميري، خلينا نقول إنه الوارث قدم نفسه بـ "أهو أنا"، الكادح ما قدمش نفسه، قدم جانب فقط من شخصيته (من ناحية قلبي) الموظف الميري ما بدأش بـ تقديم نفسه إنما بـ إنكار منزلتهم هم أولا (سيبك منهم) لـ إنه عارف إنهم أفضل منه، أو على الأقل عرضهم مغري أكتر.
لما عرف نفسه كان بـ القيمة، والمركز، لـ إن الناس درجات، وأكبر مميزاته إنه مالوش أي حياة اجتماعية ولا تفاعل مع الآخرين (لا لي دعوة لا بـ دا ولا بـ دا ولا لي أصحاب) بـ التالي الوعد اللي بـ يقدمه، إنه كل مقدراته هـ تكون في إيديها هي، ومحدش هـ يشاركها فيه.
الموظف في العموم (هنا وفي كل مكان) هو صاحب أفضل البدايات وأصعب الخواتيم، فـ هو فعليًا هـ ينتقل من الدرجة التامنة لـ التاسعة (حاله هـ يتدنى) ولـ إن دخله بـ يقل بـ مرور الزمن، هو مهتم بـ تفاصيل الدخل من حيث النوعية مش الكمية، الماهية ومعاها العلاوة، وكمان فيه الإنصاف (نوع قديم من البدلات) يعني هـ يبقى كتير مفيش داعي لـ القلق.
لكن تبقى الميزة الكبرى لـ الموظف هو استعداده لـ التضحية من أجل سعادة ذويه، اللي هو كل دا ليكي، وأنا مش مهم (إن شاء الله آكل عيش حاف) لـ إنك هـ تكوني تعويض على الفراغ الاجتماعي الذي أعانيه.
أخونا اللبناني بقى، ما قالش حرف واحد عن ظروفه ومقدراته، سوى إنه جه من آخر لبناني، هو الوحيد فيهم اللي اتكلم عنها هي، وعن محاسنها، وجمالها، عيون الغزلان والورد المبدور في خدود تحاكي البنور وإلخ إلخ لـ درجة إنه استغرق فيها فقرته بـ الكامل، ويختمها بـ إنها ليلى وهو المجنون.
إنما هي طبعًا نفضت لهم جميعًا، هي بـ تدور ع الحبيب المجهول، الظابط، اللي كفاية بس إنه أطلق نفخة من بوقه النحاسي، ومنه له جي رايح منه له.