محمد صالح البحر: الالتزام الوحيد الذى أراه للمبدع هو التزامه بإبداعه فقط
تحدث الروائي محمد صالح البحر عن تدخل دور النشر في نص الكاتب الأصلي، بالحذف أو الإضافة، وهو ما تعرض له المترجم سمير جريس قبل أيام من حذف 640 كلمة من ترجمته لرواية “فهرس بعض الخسارات”.
وقال البحر، في تصريحات لـ"الدستور": أعتقد أن القاعدة التي تحكم هذا الأمر هي أن "العقد شريعة المتعاقدين" لذلك يجب على الطرفين ـ المبدع ودار النشر ـ أن يلتزما بما اتفقا عليه، ومن قبل ذلك أن يكونا واضحين تماما في شروط اتفاقهما، كي يسهل الالتزام به من بعد.
وأوضح “البحر”: ومن هنا لا يحق للناشر أبدا أن يحذف، أو يغير، أو حتى يُعدِّل، أي شيء في النص الإبداعي للمبدع من تلقاء نفسه، لأنه بذلك يجور على حق المبدع، ويُقلص من حريته في التعبير، كما لا ينبغي للمبدع أن يتراجع، أو يتخلى، عما التزم به تحت أي نوع من المغريات، عليه فقط أن يلتزم بإبداعه مهما بلغتْ التضحيات، فما ترفضه دار نشر يمكن للعشرات غيرها أن تنشره، دون أن يضطر المبدع إلى التخلي عن قيمه الإبداعية التي ارتضاها لنفسه، كما يجب عليه أن يكون حاسما إزاء أي تجاوز من قبل الناشر في هذا الصدد.
إن الالتزام الوحيد الذي أراه للمبدع هو التزامه بإبداعه فقط، بعدها يتضاءل أي شيء.
وحول ما إذا كانت مثل هذه الأداءات تجعل الكاتب يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على الكتابة، أو بمعني آخر، هل تفرض هذه المحاذير والمحظورات عليه أن يكون هناك رقيب داخلي للكاتب تابع “البحر”: مشكلة التزمت الدائمة أنه لا يظل ساكنا، بل تظل دائرته تضيق نحو المزيد من التزمت والانغلاق، حتى يُفقد الشيء معناه، لذلك أعتقد أن التابوهات التي يتم فرضها على المبدع هي بمثابة العين المفتوحة بترقب شديد من قِبل ملاك الموت على إنسان ما، والمتحفزة دوما في انتظار الانقضاض على روحه، إن هذا التصور لا يمكن أن يدع لهذا الإنسان أية فرصة لكي يعيش حياته كما يُحب، فلن يسيطر عليه إلا مشاعر الخوف، واللا جدوى من حياة تعرف أنها ستموت في أية لحظة، والحقيقة المؤكدة أن هذا الإنسان سيموت، حتى قبل أن يحين موعدة، فأي حياة تلك التي تجلس دائما في انتظار الموت؟! هكذا لن تترك القيود والمحاذير للحياة أي معنى على الإطلاق، ستصبح أقرب إلى الموت، وهو ما يحدث فعلا للإبداع الذي يقع فريسة لمثل هذه التابوهات، فالإبداع حرية، والمحاذير قيود، وكلاهما لا ـ ولن ـ يتناسب وجوده مع وجود الآخر، وهذه قاعدة أساسية ثابتة في هذا الأمر.
ولفت “البحر” إلى: أما تفصيلاته فتُشبه حياة رجل يحتضر، ولا يملك شيئا سوى أن يكون طريح الفراش في انتظار الموت، لن يكون قادرا على الحديث القوي، أو التفكير السليم، أو الحركة المناسبة، أو النظر بوضوح، وبالتالي لن يكون قادرا على صناعة الدهشة بأي شكل من الأشكال، فماذا يمكن أن ننتظر من مبدع يحتضر، فقد اللغة والفكرة والايقاع والرؤية، ولم يعد قادرا على ادهاشنا، إنني لا أعتقد حتى أنه يستحق هذا اللقب.
وشدد “البحر” علي: لذلك من الطبيعي جدا أن يُشكل كل تابو قيدا على الإبداع يحد من انطلاقه نحو التقدم، وقيدا على المبدع يحد من حريته، وقدرته على التعبير عن ذاته، أو العالم الذي يعيش فيه، ومع الوقت يصبح الأمر عاديا، ويصير عنوانه تقاليد الكتابة داخل المجتمع، أو الالتزام الأخلاقي بمبادئ المجتمع، ودون أن يشعر سيجد المبدع الذي ينصاع لذلك، أن الرقيب قد انتقل إلى داخله، بحيث يصير مجرد ترس في آلة كبيرة اسمها المجتمع، أو مبادئ المجتمع التي لن يُضيف إلى تقدمها شيئا، لأنها لا تبغي التقدم من الأساس، ولن تتعطل بعدم وجوده داخلها إذا انتفى وجوده لأي سبب، فثمة آلاف التروس التي تشبهه، وتؤدي روتينه، وهو ما يتنافى مع طبيعة الإبداع التي تبغي دائما التمرد، والتفرد، والأخذ بيد الذات والمجتمع باتجاه التقدم المستمر.