رسائل دبى
رسائل عدة أرسلها الرئيس السيسى من منصة قمة الحكومات المنعقدة فى دبى بالأمس..بعضها مباشر وبعضها غير مباشر.. من الرسائل غير المباشرة أن مصر تغادر الوضع الاستثنائى الذى فرضته الحرب مع الإرهاب وضرورات إنقاذ مصر من مخطط الفوضى للحالة الطبيعية التى يعود كل شىء فيها إلى حاله.. ويتخذ الاقتصاد والسياسة مساراتهما الطبيعية، وتفسح الدولة المجال لقوى المجتمع المختلفة للمشاركة الاقتصادية والسياسية تحت مظلة الوطنية المصرية والمصلحة الجامعة لكل المصريين.. لذلك جاء حديث الرئيس بالأمس بسيطًا ومدعمًا بالأرقام، ولغته متسقة مع هدفه، والهدف هو شرح ماذا فعلت الدولة المصرية منذ تولى الرئيس الحكم فيها فى يونيو ٢٠١٤.. ولماذا كانت الاستثمارات التى يراها البعض ضخمة أو مبالغًا فيها ضرورية ولا غنى عنها.. والسبب أنها كانت ذات أهداف مزدوجة تتعلق بالماضى والحاضر والمستقبل.. فهى تهدف لتلافى التقصير فى الماضى، ولتلبية احتياجات الحاضر، والتخطيط لاحتياجات المستقبل.. وبالتالى فالاستثمارات فى مجال الكهرباء منذ ٢٠١٤ لم يكن هدفها فقط معالجة النقص الحاد فى الطاقة بسبب عدم مواكبة الزيادة السكانية بمحطات جديدة، ولكن أيضًا التخطيط للمستقبل والجاهزية لأن تكون مصر جزءًا من شبكات الربط الكهربائى عبر القارات أو أن تقوم بتصدير الطاقة وبيعها لمن يحتاجها فى أوروبا وإفريقيا وغيرها.. والفكرة هنا أن الرئيس يتحدث مع العالم بلغة الأرقام والمنطق العملى لا بلغة العواطف والشعارات.. نفس الأمر يفعله وهو يشرح ماذا فعلت مصر فى مجال مثل النقل.. ولماذا أنفقت اثنين تريليون جنيه لتطوير قطاع النقل.. وكيف أن الاستثمار فى الطرق الجديدة أدى لتوفير ثمانية مليارات دولار سنويًا كانت تتبخر فى شكل وقود محترق تنفثه محركات السيارات فى إشارات المرور واختناقات الشوارع.. فضلًا عن الوقت المهدر والطاقة البشرية والنفسية التى كان الناس يهدرونها فى الشوارع ويشكون من آثارها طوال الوقت.. الرئيس شرح أيضًا المنطق الاستثمارى وراء إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة وأربع وعشرين مدينة جديدة أخرى توصف بالمدن الذكية.. وهو منطق جمع بين الرغبة فى التنمية وبين التفكير بطريقة استثمارية أقرب لرأسمالية الدولة لتمويل التنمية.. فالتوسع العمرانى هدف تنموى واستراتيجى لاستيعاب الزيادة السكانية أولًا ولمزيد من الاستثمار ثانيًا.. وقد حلم الرئيس بأن يتسع الحيز العمرانى من سبعة فى المئة كما كان الحال فى ٢٠١٤ إلى عشرين فى المئة من مساحة مصر خلال سنوات قليلة وكما يتجه التخطيط حاليًا.. وفى سبيل هذا قامت الدولة بدور فى التطوير العقارى والترفيق ونقل الخدمات الهامة للمدن الجديدة وهو ما يضمن ارتفاع سعر أراضى البناء التى تطرح للقطاع الخاص من ناحية، وتلبية الطلب على نصف مليون وحدة سكنية كل عام من ناحية أخرى، وإتاحة الفرصة لمبانٍ حديثة وذكية للوزارات من ناحية ثالثة، وإمكانية الاستثمار السياحى فى بعض المبانى الحكومية ذات الطراز التاريخى بعد إخلائها من ناحية رابعة.. ولا شك أن ما طرحه الرئيس منطق يستحق الاحترام ويتسم بالطابع العملى.. خاصة أنه يقول إن هذا كان الحل غير التقليدى الوحيد فى ضوء نقص الموارد اللازمة.. مر الرئيس أيضًا وهو يشرح تجربة الدولة فى التنمية على تطهير البحيرات الخمس المصرية بهدف زيادة إنتاج الأسماك وما تكلفه من مليارات بهدف الاستثمار فى المستقبل والبدء «على نظافة» بعد عشرات الآلاف من التعديات على ثروة مصر الطبيعية فى البحيرات وغيرها.. وبدا من المناسب جدًا أن يستعرض الرئيس نجاح مصر فى ميكنة الجهاز الإدارى للدولة أمام قمة تضع هذا الأمر على قمة أولوياتها.. لغة الرئيس فى التعبير عن حلم مصر أمام قمة تتحدث لغة الأرقام كانت منطقية.. فهو قال إن بإمكان مصر أن تصبح مثل كوريا وسنغافورة بالكثير من العمل والصبر والتعب.. تمامًا كما أن بإمكان أى موهوب مصرى أن يصبح مثل محمد صلاح إذا سار على دربه فى الجدية والتدريب والتخطيط.. وهو تشبيه موفق يصل للمعنى من أقصر الطرق ويستدعى قصة نجاح مصرية يدرك الرئيس أنها قابلة للتكرار على نطاق أوسع بالعمل والصبر.
من رسائل دبى التى أرسلها الرئيس أيضًا على مستوى الخارج أن علاقة مصر بأشقائها ممتازة، وأن مصر تحفظ فى ذاكراتها مساعدة الأشقاء عقب الثلاثين من يونيو إذ ليس فى الأمر سر يستحق الخجل، أو شىء يتخيل البعض أنه يمكن التذكير به.. فمصر تذكر ذلك بالامتنان والتقدير والاعتزاز بنفسها أيضًا.. من الرسائل أيضًا عدم رضا الرئيس عن أى إثارة للفتنة عبر وسائل التواصل أو بعض الكتابات وهو أمر تعرض له من قبل، ويتسق مع منهجه فى معالجة الأمور. وكذلك مطالبته الودية بزيادة المساعدات لسوريا الشقيقة لتلافى آثار الزلازل وهى مناشدة ودية إنسانية.. لكنها أيضًا تعكس موقف مصر فى مساندة الشعب السورى الشقيق من معاناة دبرت له عبر سنوات، ومساندة مؤسسات الدولة السورية ضد تنظيمات الإرهاب ومن مولها لسنوات... وفى الإجمال فإن رسائل دبى رسائل عملية وواقعية تتحدث مصر فيها لغة طبيعية، وتشرح نفسها ببساطة، وتقوى تحالفاتها الاستراتيجية وتغلق الأبواب أمام تجار الفتن على كل الجبهات.. حمى الله مصر دائمًا.