«طرب زمان» كتاب يرصد تاريخ الغناء المصري من طرب العوالم لدولة التلاوة
يقول الدكتور حسن حنفي إن التراث هو ما وصل إلينا من الماضي داخل الحضارة السائدة وانتقاله من جيل إلى جيل جيل ، وكي يظل التراث حيا لابد من حمايته وإحياءه وإبرازه، وهو ليس حنيناً إلى الماضي، إنه حامل وعي أمة وشعب جيلًا بعد جيل حفاظًا على هوية الوطن والمواطن.
من هنا يأتي كتاب "طرب زمان " الصادر عن دار المحرر للنشر والتوزيع للمؤرخ الموسيقي والباحث في التاريخ الغنائي الطبيب عصمت النمر.
يرى عصمت النمر أن الكتاب جاء كمحاولة للتنبيه على أن "حماية التراث الغنائي المصري باعتباره تراثيًا مهددًا بالمحو والاندثار في ظل تردي الذوق وجهل الجيل والأجيال القادمة بموروثهم من الغناء القديم، مع ظهور أدوات التسجيل في نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وظهور الأسطوانة كحامل ووثيقة لتراث كبير من الابتهالات والتلاوات والأدوار والسلامات والطقاطيق.
يقدم الكتاب عبر فصوله التسعة حالة من التطواف المعرفي والثقافي لرصد حالة الغناء في مصر وبداياته بدءا من الزجالين وصولا إلى دولة الابتهالات والتواشيح . لاشك ان كل فصل من الكتاب تصلح أن يكون كتاب بذاته، وكل شخصية يشير إليها النمر تحمل تاريخا علينا ان نقف عنده بالتفصيل.
يلفت النمر، عبر مقدمته إلى أن الغناء والموسيقى في مصر مرآة للتطورات الاجتماعية منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى أواخر القرن العشرين، ويعتبر وثيقة للتاريخ السياسي والاجتماعي وبتخلف التطور والتحديث خلال الحكم العثماني؛ أحدث تراجع مفجعا في مظاهر الحياة الفنية والثقافية حتى مجيء الحملة الفرنسية الذي أحدث صدمة حضارية خلفت آثارا واضحة في كل المجالات "علوم - فنون.. إلخ "
يشير المؤلف إلى إن الشيخ شهاب الدين محمد إسماعيل والشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب كونا سدًا منيعًا دون استمرار حال التدهور الموسيقي الغنائي في مصر في القرن التاسع عشر وبفضلهما أخذ الغناء المصري ينهض منذ الربع الأول من القرن التاسع عشر.
يشير المؤلف إلى الدور العظيم الذي لعبه الأزهر الشريف في حركة الغناء المصري والعربي ، وذلك كونه المكان الوحيد لتلقي العلم في تلك الفترة فعلى سبيل يذكر التاريخ أن من نظم كلمات أغاني عبده الحامولي عدد من المشايخ الكبار منهم علي الليثي ، وعلى أبو النصر وعبد الرحمن قزاعة مفتي الديار المصرية في ذلك الوقت، ومن هنا ظهرت ظاهرة طرب المشايخ بالتوازي مع طرب الصهبجية الغنائية التي ظهرت وفرضت نفسها بالرغم من بدائيتها من الناحية الشعرية والموسيقية وكان مغنوها أميين من عامة الشعب.
يتناول الفصل الأول من الكتاب ديوان الزجل والزجالين حتى منتصف القرن العشرين "يبدأ بتعريف معنى الزجل، ويرصد تاريخ الزجالين المصريين، ويذهب النمر للإشارة إلى ابن قزمان إمام الزجالين، والغباري، ويقف عند ابن عروس و ما ذهب إليه عبد الرحمن الأبنودي بكون ابن عروس شخصية أسطورية، على عكس ما يراه البعض بكون شخصية حقيقية وفد من تونس إلى مصر، ويتابع في رصد أبرز وأهم زجالين مصر عبد الله النديم ومن قبله الشيخ الفحام وصولًا لبيرم التونسي وغيرهم.
يستعرض الفصل الثاني من الكتب "العزف والعازفون في نهاية القرن الـ19 وبدايات القرن الـ20، ويقدم فيه رصد لأوائل العازفين ومنهم سامي الشوا، ومحمد العقاد.