المهام الخمس للشركة المتحدة
فكرت للحظة أن شهادتى فى الشركة المتحدة مجروحة.. حيث أعمل فى إحدى الصحف التابعة لها.. لكن الحقيقة أننى قضيت عدة سنوات منذ تأسيسها وحتى شهور مضت دون أى صلة عمل بها وكان موقفى منها هو نفس موقفى الآن.. حيث رأيت - وما زلت أرى- أنها إضافة عملاقة للإعلام المصرى، وأنها ضبطت مساره وأنقذت قيمه وساهمت فى تعديل دوره ليكون أداة للبناء لا للهدم وليكون لمصر لا عليها.. ويكون مُعبرًا عن الناس لا متاجرًا بآلام الناس.. وبين الاثنين فارق كبير.. وفى حالة مثل «المتحدة للإعلام» لا يمكن فصل المهارة المهنية للعاملين فى الشركة عن الهدف الذى قامت من أجله والضرر الذى قامت لتمنعه والحالة التى كان عليها الإعلام المصرى قبل قيامها وواقعه الذى يجوز التصريح ببعض أسراره ولا يجوز سوى التلميح ببعضه الآخر.. حيث شهد الإعلام فى مصر قبل وبعد يناير ٢٠١١ أكبر حالة من الاختراقات الأجنبية من الأصدقاء حينًا ومن الأعداء حينًا.. وكان بعض ملاك القنوات الخاصة مجرد واجهات لدول وتنظيمات ومصالح خفية ومعلنة.. وتحول بعض من يحملون صفة إعلاميين إلى سماسرة يفاوضون أصحاب المصالح ويجرون الاتصالات ويقسمون الرشاوى بينهم وبين من وافقهم.. فإذا الشاشات كلها تنطق- بعد الدفع- بما هو باطل على أنه الحق وبما هو كاذب على أنه الصدق وبما هو ضد مصلحة الناس على أنه هو مصلحة الناس، وكنا نصدق جميعًا لأننا بحكم طبائع الأمور لا نعرف ما الذى جرى فى الخفاء.. ومن الذى دفع لكن فى مقابل ماذا؟.. ولو لم تفعل المتحدة سوى أنها أوقفت مثل هذه الممارسات الشائنة لكفاها وزاد.. لكنها فى الحقيقة فعلت ما هو أكثر.. وأول ما فعلته أنها حاربت برامج الإثارة والتسخين والتحريض والإعلام الأصفر بكل أنواعه إلا قليلًا!! وكان سبب اللجوء للإثارة هو الرغبة فى الكسب المادى وجذب الإعلانات تحت شعار.. الجمهور «عاوز كده» فرأينا برامج يضرب الضيوف فيها بعضهم بكاسات المياه وكراسى الاستوديو.. ورأينا برامج تحرق فيها بيوت بعض المشاركين لأن الضيف المناظر لهم اتهمهم بالكفر والخروج عن الدين.. ورأينا برامج تخرج فيها المظاهرات فى قرى كاملة لأن مقدم البرنامج أقنعهم أن محكومًا عليه بالإعدام فى قضية قتل برىء بلا شك.. وأن المحكمة أخطأت! وأن الدولة تواطأت.. فيموت أناس.. وتحرق ممتلكات.. بينما مقدم البرنامج سعيد بارتفاع أجره فى بورصة الإثارة.. ولو لم تفعل المتحدة سوى القضاء على هذا الصغار واللغو لكفاها.. ولكنها لحسن الحظ لم تكتف بإعادة الإعلام لمجاله الحيوى المصرى ولا بالقضاء على إعلام إثارة الفتن ولا بغلق السوق أمام سماسرة الدفاع عن المصالح.. ولكنها انتقلت لمهمة رابعة وهى صياغة التاريخ القريب من وجهة نظر الدولة الوطنية وتكذيب الرواية الإرهابية لتاريخ مصر والتى يرتدى الذئب فيها ثياب الحمل ويرتدى الإرهابيون فيها ثياب الضحايا ويرتدى من سرقوا الدولة والثورة ثياب أصحاب الحق.. فكانت سلسلة الاختيار التى روت وقائع الصراع كما حدثت وليس كما أراد الإرهابيون أن يصورها.. وجسدت بطولات ضباط الجيش والشرطة فى صراعهم ضد الإرهاب وأثبتت أنهم أصحاب مبدأ لا طلاب منفعة.. وأنهم شهداء أبرار عند ربهم لا موظفين أصيبوا أثناء ساعات العمل الرسمية وأنهم ضحوا كما لم يضح أحد من أجل قيمة تربوا عليها اسمها الفداء من أجل الوطن.. وقد أدركت نجاح المتحدة فى مهمتها حين وجدت صغيرة من أسرتى تبكى وهى تشاهد وقائع استشهاد «أحمد المنسى» على الشاشة.. فعرفت أن الرسالة وصلت.. وأن المهمة نجحت وأن المنسى نفسه انتصر على قاتليه من خلال جهد الشركة المتحدة والفكر الذى يقف وراءها.. وإذا كانت هذه هى المهام الأربع التى نجحت المتحدة فى القيام بها على خير وجه.. وعلى أكمل صورة.. فإن المهمة الخامسة لا تقل روعة ولا أهمية وهى التصدى لبعث «إعلام التنمية» من سباته العميق.. بعد سنوات طويلة اختفى فيها من شاشات القنوات الخاصة ليتصدر إعلام الإثارة والتسخين والمصالح- إلا قليلًا-.. وفى دولة مثل مصر تزيد فيها الأمية وتتراجع القراءة وتنتشر ثقافة التخلف فإن إعلام التنمية فرض عين لا فرض كفاية وواجب مندوب لا اقتراحًا مؤجلًا.. وكان أن تصدت المتحدة لبرامج اكتشاف المواهب.. وهى برامج تهدف لمعالجة عيب خطير استشرى فى مصر عبر سنوات وهو انتشار الواسطة والمحسوبية والشللية والفساد فى اختيار من يستحق وفى كل أشكال منح الفرص للموهوبين.. فجاءت هذه البرامج لتعالج هذا العيب، ولتكون نافذة جديدة لتمكين الشباب ولتجديد النخبة المصرية فى مجالات مختلفة تغطيها حزمة برامج اكتشاف المواهب فى كافة المجالات.. والحقيقة أن المتحدة لو لم تفعل غير هذا لكفاها.. لا يعنى نجاح المتحدة فى هذه المهام الخمس الكبيرة والاستراتيجية أيضًا.. أن سير العمل عبر سنوات قاربت الست سنوات كان خاليًا من العيوب.. فلا أحد معصومًا من الخطأ سوى الأنبياء.. ولا يوجد كيان فى العالم يسير فيه الأداء كما يحب الناس- والمسئولون عنه أيضًا- بنسبة مئة فى المئة- ولكل مجتهد أجر إذا أخطأ وأجران إذا أصاب.. لكن ما ألاحظه أن الشركة تتسم بالديناميكية التى تعنى مجاراة الواقع والتغير مع متطلباته.. لذلك تتغير استراتيجيتها بتغير مراحل العمل الوطنى.. فمراحل المواجهة غير مراحل البناء.. ومراحل الفرز غير مراحل الحوار.. وكذلك يتغير التكتيك الخاص بها أو الأدوات التى تنفذ هذه الاستراتيجيات على الأرض بحسب محددات واضحة ومعايير مهنية لا تخضع للمجاملات.. وسعى للنجاح المستمر لا يقبل التهاون.. ولعل هذا فى حد ذاته أمر يستحق التحية للشركة.. ويشيع التفاؤل بقدرتها على تحقيق مزيد من النجاح فى قادم الأيام.