«بيانو أبيض بمفاتيح خُضر».. قراءات نقدية في أعمال شعرية حديثة
يقدم الناقد العراقي ناظم ناصر القريشي في كتابه النقدي "بيانو أبيض بمفاتيح خُضر"، الصادر حديثًا عن "دار أمل الجديدة للطباعة والنشر" والموجود حاليًا في معرض القاهرة الدولي للكتاب، قراءات نقدية في عدد من أبرز الدواوين الشعرية الصادرة بالسنوات الأخيرة لشعراء من مختلف أنحاء العالم العربي.
وصدر للقريشي من قبل عدد من الأعمال منها "العين الثالثة.. قراءات نقدية في الشعر العربي المعاصر"، و"الاتجاه المفقود"، و"ينابيع الشعر" وغيرهم.
أعمال من مصر
يبرز اهتمام الناقد العراقي بعدد من الدواوين التي قدّم لها قراءات نقدية في كتابه الجديد، لشعراء مصريين معاصرين وهم: علاء عبد الهادي، وفارس خضر، وعيد عبد الحليم، وعبد الحكم العلامي.
يقدم القريشي قراءة لديوان "إيكاروس أو في تدبير العتمة: يوميات من ثورة 25 يناير" لعلاء عبد الهادي، والصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فيشير إلى أن الديوان "أول تجربة شعرية تربط العمل الشعري بيوميات ثورة، وترتبط نصوصها اللغوية بنصوص بصرية بروابطها البصرية على اليوتيوب".
ويبين القريشي أن الديوان يمكن اعتباره ما بعد حداثي إذ تنتمي فكرته إلى رؤية مختلفة ويميل إلى تعدد الأساليب والابتكار، كما يعتمد على سرد حكايات الثورة عبر أجزاء الديوان الثلاثة وبدايته ونهايته.
وفي قراءة أخرى، يقدم الكتاب تأملات في ديوان "بعين واحدة وبصيرتين" للشاعر فارس خضر، الصادر عن دار الأدهم للنشر والتوزيع، فيشير إلى أن تجربة الشاعر في هذا الديوان تعتمد على الإيجاز في التعبير وتكثيف أفكاره وسعة الخيال، فيمنح فرصة الرؤيا القادرة على ابتكار وإنتاج الواقع من جديد، كما أنه ابتكر خطابًا شعريا رمزيا بما يمنح المتلقي شعورا بالروحانية متجاوزًا فيه الخطاب الصوفي المعتاد.
وفي قراءته لديوان "شجرة الأربعين" للشاعر عيد عبد الحليم يقول: "الناظر إلى تجربة الشاعر عيد عبد الحليم الشعرية، سيجد أنه مفتوناً بالشعر وبما يكمن وراء الكلمات/الفكرة، لحظة حضورها، وسيجد أن الشعر في قصائد ديوانه مجدولاً بطبيعة الشاعر الحزينة، وفي أحيانا كثيره نجده في مناخ روحي كدرويش يدور حول شجرة الشعر، فصوره الشعرية التي أحكمت رسم حضورها في داخل القصيدة وانتقلت عبر اللغة اعتمدت على الإيحاء أكثر من التصريح".
كما يقدم الكتاب قراءة لديوان "حواف الممشى" للشاعر عبد الحكم العلامي والذي يراه عاكسًا لتجربته الإنسانية في مواجهة الحياة المفتوحة على أفق متعدد الدلالات، موضحًا: "الشاعر يتماثل مع الشعر ويتناظر مع الحياة، فهو ينظر الى كل ما حوله على اعتباره قصيدة، وهذا هو سر حضور الدهشة في ابداعه الجمالي، ولهفة التمني في ابتكار العرفان شعرًا".
قصائد من لبنان
فضلًا عن القراءات في الدواوين الشعرية المصرية، يقدم الكتاب قراءة لقصائد ودواوين عدد من أبرز الشعراء العرب ومنهم الشاعر اللبناني شربل داغر الذي يقرأ الكاتب ديوانه "يا حياة، أتوق إليكِ.. فتجيبني: أتوق إليك"، وكذلك الشاعر اللبناني الراحل محمد علي شمس الدين الذي يقدم قراءة في قصيدة له بعنوان "المرأة التي فرت من لوحة سلفادور دالي".
شعراء من العراق
ومن العراق، يقدم القريشي قراءة لعدد كبير من القصائد لشعراء مختلفين، ومن هذه القراءات، ما يطرحه حول قصيدة "ما يشبه الحياة.. ما يشبه السيرك" للشاعر علي الفواز، فيشير إلى أن القصيدة تستلهم الأسطورة وتحيل إليها، باستدعائها الميدوزا التي هي إحدى المسوخ الأسطورية في الميثولوجيا الإغريقية، كرمز يتواءم مع الواقع ويشير إلى ماهيته الحجرية.
كما يقرأ قصيدة "قوس قزح حروفيّ" للشاعر العراقي أديب كمال الدين فيلفت إلى العالم الشعري المبتكر لدى الشاعر وأسلوبه الصوفي المتصل بأفكاره وتصوراته، فضلًا عن بناء القصيدة الذي يعتمد على المشهد السينمائي الشعري.
ومن الأعمال الشعرية العراقية، يقدم نقدًا لديوان "أرشيف الغوايات" للشاعر حامد الراوي، فيسلط الضوء على قدرة الشاعر على جمع الواقع بالمتخيل وخلق انزياحات فكرية وجمالية عبر مغادرته للمألوف والتعبير عن مستويات مختلفة من المعنى.
بالإضافة إلى قراءته لديوان "وجه إلى السماء.. نافذة إلى الأرض" للشاعر عمر السراي والذي يرى أنه ملحمة شعرية فريدة تجمع بين الروحي والوطني والقومي و الإنساني، وأن القصائد تعد معادلًا شعريا لتشكيل لوحة فنية.
وكذلك ديوان "تجاعيد الماء" للشاعر مهدي القريشي، الذي يعتبره الكاتب معبرا عن قلقه من الحياة، والصراع بين احتجاج وتمرد الذات الشاعرة في بحثها عن الخلاص واستعادة الحياة التي يصاحبها رغبة حقيقية في تغيير الواقع نحو الأفضل.
من عمان والأردن والمغرب
يقدم الكتاب كذلك قراءات لقصائد من بلدان أخرى مختلفة مثل عمان والأردن، ومن الأعمال التي يتناولها بالنقد من البلدين قصيدة "النَّسْلُ المطرود" للشاعر العماني حسن المطروشي، وديوان "سأكتفي بعينيك قمحًا للطريق" للشاعرة الأردنية غدير حدادين، وديوان "ذئب المضارع" للشاعر الأردني نضال برقان.
ومن المغرب، نجد قراءة لديوان "من باب الاحتياط" للشاعر المغربي فؤاد شردودي، فيشير القريشي إلى أن الشاعر في هذا الديوان حاول خلق ميثولوجيا تضاهي الحداثة؛ موضحًا: "كل شيء في القصيدة معرّض لتحوّلات لا نهاية لها، تولدها تواتر الصور المتدفق عبر القصيدة والذي تجاوز الهاجس الجمالي لبلوغ شعرية منبثقة من الأشياء اليومية الطارئة على اعتبار إنها عُمق الحياة نفسها الزائل".
يمثل كتاب "بيانو أبيض بمفاتيح خضر" رحلة نقدية لا تخلو من الحساسية الفنية في التعاطي مع أعمال شعرية بزغت في السنوات الأخيرة، ومن ثم، يكتسب أهميته من التعاطي الفني والنقدي للشعروهو ما يندر وجوده حاليًا في المكتبة العربية.