التطريز اليدوي في بومباي مهنة موروثة تستفيد منها دور الأزياء العالمية
ينكب أربعة رجال يتّخذون القرفصاء وضعيةً للجلوس، على شكّ حبات الخرز في خيط ذهبي على قطعة قماش من الأورغانزا... بهذه الطريقة ينجز مشغل شاناغار للتطريز في بومباي فساتين الأعراس الراقية من تصميم جوليان فورنيه الذي يُرتقب أن يعرض مجموعته في باريس الثلاثاء.
واختار المصمم الفرنسي الذي يندّد بما يصفه بـ"الإمبريالية في التصاميم"، أن يسلّط الضوء هذه الموسم على الخبرات الهندية "الموروثة" و"الفريدة" في مجال التطريز، والتي تستفيد منها دور الأزياء الكبرى في العالم أجمع.
وداخل مبنى جدرانه باللون البيج، ينجز عشرات الرجال مرتدين قمصان بولو رمادية وحفاة القدمين، العمل وهم يجلسون على وسائد موضوعة على الأرض، فيما يحنون رؤوسهم فوق قطعة كبيرة من القماش ممدودة بإطارات معدنية.
ويُعتبر التطريز في الهند من المهن التي يمارسها الرجال.
ويسود المشغل هدوء تام لا يُسمَع من خلاله سوى أصوات الإبر وشكّ الخرز ومراوح السقف، بينما يخترقه ضجيج الطائرات التي تحلق على علو منخفض من المطار الدولي لعاصمة الهند الاقتصادية وإليه.
وتلعب ورشة "شاناغار"، أي "التزيين" باللغة السنسكريتية، منذ عقود دوراً أساسياً لكن غير ظاهر للعلن، في إنجاز التطريز المعقّد لدور أزياء كبرى في أوروبا والولايات المتحدة واليابان.
وفي الهند، تتولّى مشاغل منذ قرون مهمة التطريز مع خصائص وتقنيات تختلف بحسب كل منطقة.
ويقول مدير دار جوليان فورنيه، جان بول كوفان إنّ "المشاغل الهندية تعتمد مجموعة من التقنيات لا نجدها في بلادنا".
ويتمتع بيسواجيت باترا (31 عاماً)، وهو مُطرّز لدى مشغل شاناغار، بـ15 عاماً من الخبرة. ويقول "تعلّمت المهنة داخل منزلي في قريتي في كلكتا لأنّ والدي كان مطرّزاً فيما يعمل أخي وأختي في المهنة نفسها".
ويقول جوليان فورنيه "إنها مهنة موروثة"، مضيفاً "بينما كنّا في أوروبا نضع خلال القرن السادس عشر أغطية الرأس الطويلة (هينن) ونرتدي أحذية الكراكوس، كان المهراجا يرتدون أزياء مطرزة بالذهب".
ويشير إلى أنّ "الهنود متقدّمون جداً في مجال التطريز، وتُعدّ الهند الأولى عالمياً فيه".
ويتابع في حديث إلى وكالة فرانس برس إنّ "التطريز بخيوط ذهبية ونسج الخيوط داخل حبات الخرز للحصول على تدرجات بالألوان، تقنيتان يتقنهما الهنود أكثر من غيرهم".
ويلفت إلى أنّ هاتين التقنيتين من شأنهما إنتاج قطعة من الملابس تتمتع بمظهر "أصيل وأنيق"، موضحاً أنّ فساتين الأعراس المُنجزة على هذا النحو "تبرق لكن بشكل محدود، لأنّ زبائن الأزياء الراقية (هوت كوتور) لا يرغبون في أن يبدو مظهرهم مشابه لشجرة عيد الميلاد".
ويتابع "عملت مع مشاغل تطريز بارزة في فرنسا، وكان التعامل معقّداً دائماً، فالجميع يرغبون في التدخّل بالعمل ولا تكون النتيجة النهائية مرضية لك".
ويولي شيتان ديساي (55 عاماً) الذي أنشأ والده مشغل "ابتكارات شاناغار" قبل أكثر من 60 سنة، اهتمامه المطلق لمجال الأزياء. وانطلقت الشركة في بداياتها كمشغل للنسج اليدوي وتصنيع زي الساري التقليدي المطرّز. إلا أنّه عزز في منتصف تسعينات القرن الفائت طموحه متّجهاً نحو فرنسا، فعقد شراكة مع مصمم الأزياء الفرنسي من أصل تونسي عز الدين علية الذي ارتدت نجمات بارزات بينهنّ ناومي كامبل، تصميمات له تولّى مشغل شاناغار تطريزها.
ويشير ديساي الذي يظهر تكتّماً في شأن شراكاته الحالية باستثناء تلك التي تجمعه بجوليان فورنيه، إلى تصاميم طرّزها لصالح جان بول غوتييه ويوجي ياماموتو ودونا كاران.
حتى أنّ المجال السينمائي في هوليوود استعان بمشغله الذي طرّز التصاميم التي ارتدتها الممثلة نيكول كيدمان في فيلم "مولان روج" الموسيقي عام 2001.
ويقول شيتان ديساي لوكالة فرانس برس "أحب التعامل مع جوليان فورنيه، فهو يتخطى كل الحدود. وكان العمل لصالحه مهمة صعبة ومثمرة جداً في آن، لأنّ بعض أفكاره فاجأتني".
وبمجرد وصول الأقمشة المطرزة إلى باريس، يتولّى جوليان فورنيه بنفسه كيّها بدقة، قبل أن يقوم مشغله بتجميع الفستان.
وتضمّ المجموعة التي ستُعرض الثلاثاء في باريس تصاميم مطرزة بالكامل بالخرز والخيوط لدى مشغل شاناغار، مع استخدام بعض التقنيات الجديدة كالتطريز المُنجَز من قطع قماش التول الملفوفة لإنشاء زهور.