«تمريرة الشيطان».. كيف أجبر ميسى أعداءه على عشقه؟
«أحيانًا أتحرك فى مناطق مستحيلة، وأقول بداخلى، ميسى لن يستطيع إيصال الكرة إلى هنا، ثم أتفاجأ بأنها تجاوزت كل هؤلاء المدافعين ووصلت للمنطقة المستحيلة، فأقول كيف فعلها هذا المجنون».. لويس سواريز نجم برشلونة الإسبانى ومنتخب أوروجواى متحدثًا عن زميله آنذاك.
كان هذا الحديث حاضرًا بقوة فى ليلة تاريخية جديدة حينما أقصى البرغوث الأرجنتينى، طواحين هولندا، والبداية كانت عبر تمريرة ساحرة، سينتهى بها الحال كلوحة فنية مكانها متحف «فيفا» وكل جدران الملاعب، لنستعيد تفاصيلها الجميلة مع كل مونديال مستقبلى.
ذهب مولينا ظهير أيمن الأرجنتين فى منطقة صعبة، لا يُخيل لأحد من هؤلاء المدافعين الهولنديين الثلاثة الذين يحاصرونه، أن الكرة ستتجاوزهم، لكن ميسى جعل الغلبة لمهاجمين اثنين فى لعبة كان انتشار مدافعى هولندا بها ٧ مدافعين أسفل الكرة.
هى حالة ربما كنا نستطيع القول إنها جديرة بالدراسة، لكن ميسى اعتاد ذلك، فجعل لويس سواريز يركض ويتحرك فى الأماكن المستحيلة وتصله كرات إعجازية فى أماكن مهيأة تمامًا للتسجيل.
لحسن حظ الأرجنتين، أن ميسى الذى أرهقه الجسد، لا يزال عقله يعمل بكامل قوته، ولا تزال قدماه مستمرتين فى العزف، وإصدار أجمل وأروع الألحان.
نعم لم يعد ميسى قادرًا على الركض لمسافات، أو المشاركة فى منظومة الضغط، لكن يبدو عقله أقوى من أى جسد، بل يبدو لك فى لحظات ما أن مثل هؤلاء ليسوا بحاجة إلى أجساد ربانية، لقد منحهم الله هبات ربانية تفوق خيال البشر.
لا حديث فى قطر إلا عن ميسى، إبداعه، انتصاره، خناقاته مع لاعبى هولندا ومدربهم، حلم كأس العالم الذى بات قريبًا للغاية.
فى كل مكان بالشوارع والميادين والملاعب، سيطر ميسى على كل شىء، ومثلما هو سيد لاعبى العالم، صار سيد الدوحة والشرق عمومًا، فالعالم أجمع لا يتحدث سوى عن ميسى، ولا يشجع إلا إياه.
التقينا مشجعين عربًا كثرًا، من قطر والسعودية، وأبناء شمال إفريقيا تونس والمغرب، الأردنيين والفلسطينيين، ليس غريبًا أن جميعهم يحبون ميسى، لكن الشىء الذى لاحظناه وتكرر مرات هو ما قاله المشجع التونسى أنس عبدالله: «لم أكن أحب ميسى، أنا مدريدى، لكن ما عشته هنا مع الأرجنتين و(ليو) جعلنى أحبه، أحببته بشدة، بصراحة ندمت على تفويت فرص الاستمتاع بلاعب هو الأمهر».
حالة المشجع التونسى ليست عابرة ولا استثنائية، بل الحالة ذاتها قابلتها وسط مجموعة من الشباب المصرى، الذين أدمنوا حب مدريد وبغضوا كل ما هو ميساوى، لكنهم ورغم تمنيهم خسارة «ليو» المونديال، باتوا يحبونه بعدما تعايشوا حوله عن قرب، ورصدوا علاقته بالأرجنتينيين، وشاهدوا جمال ما يحدث بينهما فى الملاعب.
على أقل تقدير، وفى أسوأ الظروف، كثير ممن التقيتهم من خصوم ميسى تغيرت نظرتهم من الكراهية إلى الحياد، إن لم يكن إعجابًا فقد يصل للعشق فى حالات أخرى، وربما هى التغييرات التى تنتج عن مثل هذه البطولات الكبرى، التى تتحكم فيها مراحل النضج التى تحكم العقل، وتبدل المشاعر والعواطف.
مزاجه الآن فى أفضل حال، والسبب فى ذلك عوامل عديدة، أولها تخلصه من الضغط بعد الفوز بكوبا أمريكا، وهذا سينفى عنه تهمة التخاذل مع منتخب بلاده، وعدم تحقيق لقب يذكره التاريخ.
ثانى العوامل، ثقته بالمجموعة التى تلعب حوله، بات مرتاحًا لحارس مرمى اسمه إيمليانو مارتينيز، يدافع عن مرماه حتى الموت، لكى يحيا ميسى، مثلما صرح الحارس العملاق، فشاهدنا براعته فى اللحظة الأخيرة أمام أستراليا، وفى ليلة عبور هولندا ضاعف التألق.
أصبح «ليو» فى حالة أكثر أمانًا مع حارس آخر، مهمته الكبرى اللعب حول «ليو»، وتوفير الحماية الكاملة له، وهو العملاق دى بول، الذى سرعان ما تبدل الحال عقب خروجه من الملعب وساء حال التانجو.
ارتكب سكالونى خطيئة بتغييراته، وكاد يدمر كل شىء، لكن ذلك لا ينفى أنه قرأ أفكار ملك التكتيك فان خال، وباغته بسيناريو مفاجئ، حينما بدل طريقة اللعب إلى «٣/٥/٢»، ومعها قتل قوة هولندا عند الأطراف، بتقييد تحركات بيلند ودومفريس، وكذلك حرر الظهيرين مولينا يمينًا، وأكونيا يسارًا، فسجل الأول، وحصل الثانى على ركلة جزاء.
ميسى بات قريبًا من صناعة معجزة، ففوزه على كرواتيا وصعوده للنهائى سيمكنه على الأقل من الفوز بجائزة أفضل لاعب فى البطولة حتى خلال خسارتها، ويبعده عن مبابى هداف البطولة هدف واحد يستطيع تعويضه بسهولة.
أما إذا فاز باللقب فسيفوز معه بالكرة الذهبية، وهذا السيناريو يحلم به كل الأرجنتينيين، والكتالونيين، أو الميساوية، إن صح التعبير، ليكون الختام المثالى لمسيرة لاعب هو الأفضل فى تاريخ كرة القدم.