محمد صالح البحر: «الجدار» قصة التحولات العميقة التى تصيب الإنسان
أعلنت النتيجة النهائية لجائزة محمد حافظ رجب في مجال القصة القصيرة، وجاء في المركز الأول الكاتب القاص والروائي محمد صالح البحر عن قصته "الجدار يتداعى"، وجاء في المركز الثاني الكاتب القاص المغربي هشام بن الشاوي عن قصته “نهر السين”، وفي المركز الثالث الكاتبة السورية شذى خليل عن قصتها "امرأة مضيئة".
وقال الكاتب الروائي والقاص محمد صالح البحر: "من الجميل أن تحمل الجوائز الأدبية أسماء المبدعين الكبار نموذج "محمد حافظ رجب “، الذين أثروا في مسيرة الأدب العربي، وتركوا بصماتهم المضيئة واضحة عليه، ليهتدي بها كل منْ يرغب في مواصلة الطريق من بعد، فهؤلاء الكبار لم يقتصر دورهم على ممارسة الأدب فقط، بل اعتلوا عرشه لينتقلوا إلى مكانة أرفع، فيصيروا نجوما، وعلامات دالة على الطريق”.
وأضاف “البحر”، في تصريحات لـ"الدستور": "محمد حافظ رجب واحد من هؤلاء الكبار، نجم لا تُخطئه عين كل منْ يريد أن يسير في طريق الأدب، وخصوصا القصة القصيرة، فهو أحد المحطات المهمة التي طورت هذا الفن، وارتفعت به من أرض الواقعية والمباشرة، إلى سماء التخييل وإعمال العقل، فأصبحت القصة القصيرة على يديه ساحة للتفكير، وليست مكانا للاستراحة، أو الترويح عن النفس، أو بوقا للتنفيس عن أفكار مسبقة، واستقر الرأي عليها، لذلك كان اسم محمد حافظ رجب من أهم أسباب اشتراكي في الجائزة، وأنا سعيد جدا الآن بتحقق أمنيتي في حمل جائزة باسمه".
وأكد البحر أن هذه الجائزة تمثل دائمًا دافعًا قويًا للاستمرار في طريق الأدب الصعب، خصوصا في بدايات الطريق، أما الآن وقد اخترنا طريقنا منذ أمد طويل، حتى صرنا على مشارف النهاية، فأعتقد أن الجائزة تمثل نوعا من أنواع التكريم، أو التربيت الخفيف، الممتلئ بالود والمحبة، على الكتف، التربيت الذي يُخبرنا بصحة اختيارنا الأول، أننا لم نكن نلهو، وأن أعمارنا لم تضع سُدى، ولا هباء، لكن الجائزة لم تكن أبدا نهاية لشيء ما، ولا حتى اكتمالا له، فطريق الفن بلا نهاية، وغايتها الأولى والأخيرة هي المسير الدائم، وليس الوصول.
وتابع: " قصة "الجدار يتداعى" قصة التحولات العميقة التي تُصيب الإنسان، نتيجة صراعه مع قوى أكبر منه، ومحاولاتها الدائمة للسيطرة عليه، التحولات التي تجعله يتغير من الداخل، فاقدا لكل شيء اكتسبه من قبل، القيم والمبادئ والحب والتاريخ، وعندما يأكله الاغتراب وينهار، يسقط معه كل شيء حتى المدينة التي كانت تأويه، وقد شكل الشيطان فيها مصدر الغواية الذي سلب من الإنسان كل الأشياء، بما فيها ذاته، وجعله يتغير، وتيمة "الشيطان" كمصدر للغواية تيمة أساسية عندي، استخدمتها في الكثير من القصص القصيرة، بل وشكلت العمود الفقري لأهم رواياتي "موت وردة"، حيث استطاع الشيطان اللعب بمصير الإنسان، وتوجيه الأحداث وقف غاياته، لينتصر هو في النهاية".
ــ مقتطف من القصة
وننشر عبر السطور التالية مقتطفات من القصة كالآتي:
ليست فاطمة بالشيء الذى يؤرقني كثيرا، إِنما اللوحة الجميلة للحمامة البيضاء، التي رسمتها بيدي، وزينتها بخيالي، وعلقتها على جدار منزلي في زاوية فذة، أينما تحركتُ في أركان المنزل الواسع وجدتها تواجهني، تحملق فيَّ بكل ماضيها العتيق، تنقش نفسها في كل مكان من ذاكرتي حتى تتمركز فيها، وتتدثر برداء الوحي الذي يُملي الكلمة والفِعل، إِن إِطارها الآن يتداعى، يكاد يتركها عارية، المضيء الوهاج زيتها ينطفئ، ويبهت في مواجهة الضوء الأبيض المنبعث من السقف، بتموجاته السرابية التي يصنعها على جسد اللوحة، وبحرارته التي رغم زيفها تلسع، وتنفذ حتى للجدار الضخم الذى شُيِّد بأيادٍ يتعمد الزمان الآن قطعها.
بأكتافٍ صلبة طالما تراصتْ تحت لهيب الشمس، ووسط أكوام الغبار، فيتساقط نتفا صغيرة، غير محسوسة، مثل رزاز المطر الذي لا أكاد أحسه الآن وأنا أمشي في الشارع الممتد والنهر، لا أرى غير غروب الشمس خلف غيوم بيضاء، تتلاقى في السماء الخالية، وتدكن مع زحف الليل، وقد بدأ نسج خيوطه السوداء مثل عنكبوت فوق جسد المدينة الهامد، مخفيا آثار لحظة عبقرية ولَّتْ، كانت الأشياء فيها أكثر نضارة ووضوحا مما هي الآن، البنايات العتيقة مجمع الأديان، المآذن تحمل الأهلة والصلبان، النهر العظيم قادم من قلب الجسد الأسود الكبير، يحمل كل التاريخ وكل الجغرافيا، الذاكرة الخالدة عبق الأجداد ومهد الحاضر، إِنها الآن غائمة تحت ثِقل الغيم، ووطأة الظلام.