احتفالية عربية سويسرية.. سعاد الصباح تقيم «يوم الوفاء» للأديب الليبي إبراهيم الكوني
تقيم د.سعاد الصباح حفل تكريم للأديب الليبي إبراهيم الكوني ضمن احتفالية يوم الوفاء الذي تكرم فيه رمزاً من رموز الإبداع العربي، يومي 31 أكتوبر الحالي و1 نوفمبر المقبل بمدينة بيرن بسويسرا، الحفل ستتخلله ندوات وبمشاركة عدد من كبار الكتّاب والأدباء العرب والعالم.
كتاب من جزأين
سيتم الإعلان خلال الحفل عن نشر كتاب في جزأين، يلقي الضوء على حياة الأديب والروائي إبراهيم الكوني، ويتناول أبرز المحطات في مسيرته، ومراحل تدرجه وتطوره فكراً وأدباً ورواية.
وعبر المسيرة الممتدة لمبادرة (يوم الوفاء)، تم تكريم عدد من الرواد، منهم: عبدالعزيز حسين، إبراهيم العريض، نزار قباني، د.ثروت عكاشة، عبدالله الفيصل، عبدالكريم غلاب، غسان تويني، صالح العجيري، الحبيب الجنحاني. وصدرت عن دار سعاد الصباح للنشر مؤلفات قيّمة عنهم، احتوت على بحوث ودراسات نقدية وذكريات كثيرة شكلت مادة ثرية تستحق الوقوف عندها طويلاً، ومن هذه الكتب: (عبدالعزيز حسين وحلم التنوير العربي)، (إبراهيم العريض وإشعاع البحرين الثقافي)، (نزار قباني)، (وردة في عروة الفارس النبيل د.ثروت عكاشة)، و(الشاعر عبدالله الفيصل بين مشاعر الحرمان وغربة الروح)، و(عبدالكريم غلاب صوت يُشرق من المغرب)، و(غسان تويني الأستاذ)، و(صالح العجيري عابر المجرات)، و(طائر الحرية.. الحبيب الجنحاني).
وقد أعلنت دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع أن تكريمها للكوني سيشمل حفلاً يدعى إليه عدد من الأقطاب الثقافية، يتحدثون عن مسيرته الممتدة المتشعبة.
سيشمل التكريم، بالتزامن، نشر كتاب في جزأين، يلقي الضوء على حياة الكوني والمؤثرات الثقافية التي طبعته، وأبرز المحطات في مسيرته التي شملت عدد من الدول، مراحل تدرجه وتطوره فكراً وأدباً، ناهيك عن الملامح التي طبعت شخصيته وما يؤمن به من معتقدات وأفكار، إضافة إلى مقالات وبحوث لنخبة من النقاد والمفكرين والأكاديميين، سعت إلى مقاربة مؤلفاته الأدبية والفكرية، وإبراز ما تميزت به من سمات وتقنيات.
تفاصيل الكتاب
اشتمل الكتاب في جزئه الأول على كلمة للدكتورة سعاد الصباح، أشارت فيها إلى أنه من عمق الصحراء "خـرج الروائي المفكر إبراهيـم الكوني مثـل أسـطورة، محملاً بالنبـوءة.. والاحتمالات، لا يريـد أن ينفـض عـن جسـده الرمـال.. ملثّماً يخـرج كمارد مصنـوع مـن طين الدهشـة، وأعاصير الفكـرة، ومفاجـأة الخاطـرة.. وسـكون الليـل". وتشير إلى اهتمامه الأثير والدائم بعوالم الصحراء، فتقول: "فالصحراء عند الكوني أمومة، والصحراء عنده إلهام.. والصحراء عنده نبوءة ورسالة حملهـا على كتفـه وسـار بها عبر البحار والجبـال والمتاهات والمآلات والتأويلات.. متنقلاً بين عتبـات الأمل، وعذاباتـه.. كأنما يؤثث الطريق كي تنتصف الروح وتنتصر للمعاني السـامية".
وتلفت الدكتورة سعاد الصباح النظر إلى ملاحظة مهمة، وهي التجاهل الذي لقيه الكوني في وطنه العربي، فتقول: "إبراهيـم الكوني الذي لم يُلتفَـت إليـه في بلاده الممتدة مـن الما
مـن الماء إلى المـاء، الالتفات الذي ينبغـي والاهتمامّ الـذي يسـتحق بقـراءة نصه أكثر مـن قراءة شـخصه.. فلم يبـك أو يتباك أو يقـف بين الدخـول فحومـل يندب حظـه العاثر، حمـل (عـدوس السرى) زوادتـه على ظهـره وارتحـل.. في الزمان والمكان، فوجـد العالم من أقصـاه إلى أقصـاه يضعـه موضع التكريـم والاحتفاء والبهاء.. أي فـرح مختلـط بحـزن مثـل هـذا؟! فـرح القيمـة عنـد الغريـب وحـزن التجاهـل عنـد القريـب".
بدوره، أشار مُعد الكتاب عبدالكريم المقداد في كلمته إلى ملامح شخصية الكوني، فقال: "عطاء بلا ضفاف، وعزيمة لا تلين، ودأب لا يهدأ.. هذه بعض من عناوين المبدع العربي الليبي إبراهيم الكوني، الذي اختط لنفسه طريقاً إبداعياً متفرداً، منذ سبعينيات القرن الماضي، وتميز، فشدّ إليه الأعناق دهشة وإعجاباً. فمن متاهات وفيافي وألغاز الصحراء الكبرى الهاجعة بعيداً في العمق، انطلق، فغدا أسطورة، تماماً كأسطورة الصحراء التي حملها وأطلقها أينما حل وارتحل. وبنجاح تلو الآخر طرق أبواب العالمية، ففتحت له أبوابها على مصاريعها".
وأبرز المقداد الثيمة الرئيسة التي ترتكز عليها أغلب مؤلفات الكوني، ألا وهي الصحراء، إذ قال: "كانت صحراؤه ولا تزال عالماً مفعماً بالأساطير، التي ما فتئت تتجدد مع كل رواية، فتثير الدهشة، وتمسك بالألباب، وتفتح أمام القارئ مسارب جديدة لم يألفها في سابق رواياته، على الرغم من دورانها في فلك واحد هو الصحراء. فقد عرف كيف يستثمر تراث أجداده الطوارق، ويوظف أساطيرهم المتناقلة شفاهياً عبر الأجيال. وعبر خلطته السحرية المكونة من الصحراء والأساطير واللغة الشاعرية الصوفية، خلق ملاحمه الروائية التي أكبرها الغرب قبل الشرق، وأنزل صاحبها المنزلة التي يستحق".
وتضمن الجزء الأول من الكتاب، الكثير من المقالات التي رصدت السيرة الذاتية والأدبية للكاتب، وأضاءت الكثير من جوانبه الشخصية. فعن شغف الكوني بالصحراء، يكتب وزير الثقافة الجزائري الأسبق عز الدين ميهوبي، فيقول: "يدافعُ الكوني عن الصحراء، حتّى وهو الذي دفعتهُ أقدارُ الوظيفة إلى جبال سويسرا، كما لم يُدافع عنها كثيرون ممّن نشؤوا فيها، ورضعوا حليب نوقها، وتلحّفوا بلهيب شمسها، وعرفوا حياة الرّحلة والخيمة والرمل الممتدّ على مدّ البصر.. يدافعُ عنها، ليس كجغرافيا فحسب ولكن كقيمة حضاريّة بما تحوزه من تراكمٍ معرفيّ يمتدُّ إلى آلاف السنين، فيرفضُ أن يُقال عن الطوارق إنّهُم قبائل، لكنّهُ يمنحُهم صفة الأمّة، اقتناعاً وليس ابتداعاً".
مسيرة ابراهيم الكوني
وعن سيرته، تكتب د.زهرة سعدلاوي عن بدايات الكوني في ليبيا وانشغالاته الثقافية، ثم سفره إلى موسكو ودراسته وعمله الإعلامي، وأخيراً إقامته في سويسرا وتفرغه للإبداع الأدبي. وعن أهمّ خصائص الكتابة الرّوائية عنده تقول السعدلاوي: "اقتران الرّواية لديه بمعنى الوجود، الحاجة إلى الرّواية، حاجة ميتافيزيقيّة، والحنين إليها هو حنين دينيّ. الوجود عند الكوني لغز لا يكتمل وجوده إلا بوجود الثالوث: الرّواية، الخَلاء، الأسطورة - الصحراء، أو الكتابة عن المكان (الضدّ)، شخصيّة ثابتة، مُتحرّكة، مُلتصقة بصاحبها إلى حدّ معه أصبحت غلافاً لجسمه من جلده، أو لعلّها الشَّريان الذي يبعث فيه الحياة ويجعله يحيا بِها ولَها، ويبدع بوَحيها وشُجونِها، روح واحدة في سجال أبدي لا ينتهي".
من جهته، يشير مصطفى سليم إلى أن الكوني يجيد ثماني لغات،: الأمازيغية، والعربية، والروسية، والإنجليزية، والبولندية، والألمانية، والإسبانية، واللاتينية. ويشير سليم إلى أبرز مرتكزات الكوني، فيقول: "عالم الكوني، الذي بناه على الرمز في جوهره، جاء وفق تقنيات سردية خاصة تمرس عليها، وفي ظل حبكات متفردة أهلته لأن يكون مدرسة سردية لها عالمها وقوانينها ولغتها الخاصة، بعيداً عن صخب وبؤس المشهد الروائي العربي في مجمله، ولو جاز لنا استعارة لغة المتصوفة: فقد صنع الرجل مقاماً روائياً خاصاً مليئاً بأساطير وديانات وبطولات الأمازيغ، وحكايات البشر، والحيوانات وكائنات الصحراء الكبرى بخيال ومفردات ثرية، سجل عبرها أسرار الأمازيغ التي استردها من قبضة الضياع والتيه".
ويلتفت القاص السوري إبراهيم صموئيل إلى تبرع الكوني بقيمة جائزتي القاهرة، والصداقة الفرنسية العربية، لأطفال قبائل الطوارق في نيجيريا ومالي، فيقول: "بهذه المبادرة الطيبة، ذات الدلالة، يكون إبراهيم الكوني قد نال جائزتين معاً: جائزة القاهرة، وجائزة أطفال نيجيريا ومالي، بلفته الأنظار إلى مأساتهم الإنسانية المروّعة، كما حال المآسي المخيفة التي يعيشها أطفال عالمنا في شقّه المفقر والمتخلّف والمقهور. وتحمل المبادرة إشاراتها المهمّة حين تصدر عن الكوني المصنّف كواحد من خمسين روائياً في العالم يمثّلون القرن الواحد والعشرين".
عن روايته (من أنت أيها الملاك؟)، يقول صلاح فضل: "الكوني الأديب الليبي الفذ، يمضي في استخراج ملحمته الصحراوية الكبرى في السرد العربي, بعد أن أكمل ستين عاماً من عمره، أنجز خلالها سبعين كتاباً من إبداعه، فضرب رقماً قياسياً في الترجمات والدراسات حوله. أصبح زعيم نهج في الكتابة الروائية متفرداً في الآداب العالمية.. وفي هذه الرواية يقدم صيغة مبتكرة ومكرورة لنشيد الصحراء التي قضى عمره في توثيق روحها، وتدبيج حكمتها ونحت تماثيل فنية باذخة لكائناتها وبشرها معاً".
وقد ضم الجزء الأول، عدداً من أبرز أقوال الكوني، والكثير من الصور التي أرّخت للعديد من المناسبات الثقافية، ورصدت العديد من محطاته الحياتية، ناهيك عن بعض اللقاءات الصحفية التي أبرزت فكره وآراءه، ومنه اتهامه لجائزة نوبل بالانحراف عن المسار الذي أوجدت من أجله، وقوله إن لجنة «نوبل» دنّست حرمة الأدب ومنحت الجائزة لهواة.
أما الجزء الثاني من الكتاب، فانصرف إلى دراسات وبحوث رصينة، شارك فيها نخبة من النقاد والمفكرين والأكاديميين من مختلف أقطار الوطن العربي، ومنهم: صبري حافظ، سعيد الغانمي، إبراهيم عبدالمجيد، فاضل ثامر، فيصل درّاج، الضاوية بريك، حات
الضاوية بريك، حاتم الفطناسي، نسيمة علوي، عباس خلف علي، مديحة عتيق، يوسف حطيني، وردة معلم، ضرار بني ياسين وغيرهم.
وقد أبرز هذا الجزء أهم صفات ودلائل أدب الكوني، والفلسفة الخاصة التي نسج خيوطها في معظم مؤلفاته في الحقل الروائي، ناهيك عن التقنيات الفنية التي سخّرها لخلق عوالمه، ودلائل رموز صحرائه، الفضاء الأرحب الذي ما انفك يغوص في تلافيفه.