المتحف المصرى فى عواصم العرب والعالم
تابعت منذ فترة طويلة ذلك التعاون المثمر بين متحف اللوفر وبين دولة الإمارات العربية الشقيقة لافتتاح فرع للمتحف الوطنى الفرنسى فى مدينة أبوظبى عاصمة الإمارات الشقيقة، وهو الافتتاح الذى تم بالفعل منذ عام ٢٠٢٠ بنجاح كبير جدًا ساهمت فيه البراعة المعهودة فى حكومة الإمارات العربية المتحدة والإمكانات المالية الكبيرة التى رُصدت لإنجاح المشروع، ولم يكن سرًا أن التعاون بين متحف «اللوفر» العالمى وبين حكومة الإمارات كان ينطوى على شق مادى، دفعت بمقتضاه الإمارات الشقيقة مبلغًا محددًا من المال نظير الاستعانة بخبرات العاملين فى اللوفر سواء فى تصميم مبنى المتحف، أو تدريب العاملين فيه، أو تنسيق المعروضات بداخله متحفيًا أو إعارة بعض مقتنيات اللوفر لعرضها فى فرع اللوفر فى أبوظبى لمدة محددة ومقننة فى اتفاقات مكتوبة بين الطرفين، وكان من الطبيعى أن يكون من بين المعروضات مقتنيات لمتحف اللوفر من آثارنا المصرية القديمة التى لا شك أنها من أثمن المقتنيات الأثرية فى أى متحف عالمى سواء متحف «اللوفر» فى باريس، أو متحف برلين، أو متحف نيويورك، أو متحف لندن، حيث تعرض كل هذه المتاحف باهتمام شديد قطعًا مختلفة من الآثار المصرية القديمة وصلت لها فى أوقات مبكرة حين كان مسموحًا بإهداء بعض القطع الأثرية القديمة فى عهد باشا مصر محمد على وأبنائه أو حين كان مسموحًا بملكية الأفراد للآثار المصرية، وهو ما تم تنظيمه وتقنينه وتجريم بعض أنواعه بعد ذلك.. والحقيقة فإن عددًا من مسئولى هذه المتاحف يلتزمون بالقانون فيما يخص بعض قطع الآثار التى يتم اقتناؤها حديثًا.. حيث تتم إعادتها إلى مصر بمجرد ثبوت خروجها بالطريق غير الشرعى، أو عبر مافيا تجارة الآثار العالمية، وقد قرأت منذ شهور أخبارًا فى الصحافة الأجنبية عن تورط بعض مديرى اللوفر فى شراء بعض الآثار المصرية التى لم تخرج بطريقة شرعية، وفى نفس الوقت تتناثر أخبار حول تضليل بعض النصابين لمحبى الآثار من الإخوة العرب وخداعهم لهم بآثار مزيفة أو مقلدة مستغلين رغبتهم فى إثراء بيوتهم أو متاحفهم بالآثار المصرية العريقة والتى تنتمى لأقدم حضارة بشرية على وجه الأرض.. وما أريد أن أقوله إننا فى حاجة لوضع هذا الاهتمام العالمى بآثارنا المصرية فى سياقه السليم ونحن على بُعد شهور من افتتاح المتحف المصرى الكبير.. والسياق السليم هنا أن نحذو حذو المتاحف الكبرى بافتتاح فرع أو أكثر من المتحف المصرى خارج مصر، وفق اتفاقات علمية واقتصادية معلنة وواضحة، تتولى التفاوض وتأمين الآثار فيها أجهزة الدولة المصرية بالتعاون مع الخبرات العالمية، والهدف هنا هو هدف مزدوج ثلاثى الأبعاد.. فافتتاح المتحف المصرى فى الخارج ينطوى على فائدة اقتصادية أكيدة، كما ينطوى على دعاية لمصر والحضارة المصرية لدى السياح الذين يزورون الدولة أو المدينة التى سيفتتح بها فرع المتحف، والأهم من هذا أنه يغلق الباب أمام النصابين ولصوص الآثار الذين يستغلون شغف بعض الإخوة العرب بالآثار المصرية، وبالتاريخ عمومًا، فى النصب عليهم وتضليلهم وبيعهم بعض الآثار المقلدة، أو إيهام بعضهم بأنهم يستطيعون الحصول لهم على آثار حقيقية بطرق ملتوية.. ولا شك أن المنافع التى قد تعود على مصر من هذا المشروع الطموح لا تعد ولا تحصى لو أحسنا دراسته وتسويقه، خاصة أن المنطقة العربية تشهد نهضة حضارية كبيرة فى عدة دول شقيقة وقريبة من مصر.. فالسعودية الشقيقة تخطو بسرعة كبيرة نحو التنوير والانفتاح والاهتمام بالتاريخ والحضارة والفن، والدوحة تنتظر حدثًا استثنائيًا هو كأس العالم بما يتضمنه من تدفق الزائرين، ودبى كعهدها دائمًا عاصمة سياحية واقتصادية من المقام الأول، وربما استطعنا تطوير الفكرة لنفتتح فرعًا للمتحف المصرى الكبير فى أوروبا أو فى الولايات المتحدة الأمريكية بدلًا من معارض الآثار المؤقتة والتى كانت تجد إقبالًا كبيرًا من المواطنين فى هذه الدول.. هذه الفكرة تحتاج لدراسة سريعة لأنها فى حالة نجاحها ستضمن لنا دخلًا جيدًا بالعملة الصعبة فى وقت الأزمة العالمية، ولأنها تعنى أننا نستطيع أن نذهب للسائحين كما يأتون إلينا.. وهى فى كل الأحوال فكرة من داخل الصندوق لا من خارجه.. لكننا لا ننظر للصندوق جيدًا فى معظم الوقت أو هكذا أظن.. والله أعلى وأعلم.