فؤاد زكريا: مواقف «هيكل» من السادات كانت سببًا في «كم عمر الغضب»
تمر اليوم الذكرى 99 لميلاد أشهر وأبرز الصحفيين في مصر والعالم العربي محمد حسنين هيكل، والذي ولد في مثل هذا اليوم 23 من سبتمبر عام 1923 وبدأ عمله في الصحافة عام 1942، وشغل عدة مناصب مهمة على مدار حياته، منها وزارة الإعلام في السبعينات ورئاسة تحرير جريدة الأهرام.
رحلة ومسيرة ومشوار هيكل مليئة بالكثير من المواجهات والمعارك، ويأتي على رأس تلك المعارك ما كتبه هيكل عبر كتابه "خريف الغضب" ليفند فيه سيرة ومسيرة السادات، وهو الكتاب الذي أثار حفيظه الكاتب والمفكر والأكاديمي دكتور فؤاد زكريا ليرد على هيكل بكتاب تحت عنوان "كم عمر الغضب.. هيكل وأزمة العقل العربي" في التقرير التالي نرصد تفاصيل ما ذهب إليه فؤاد ذكري في مواجهة هيكل:
يؤكد كتاب "كم عمر الغضب" إلى أن ما ذهب إليه هيكل عبر كتابه "خريف الغضب" لم يَتعرَّضْ لنقدٍ موضوعيٍّ بَنَّاء" وهذا ما أدركَهُ الدكتور فؤاد زكريا؛ فانبرَى يُحلِّلُ الكتابَ ويُفنِّدُه، مُعتمِدًا على منهجيةٍ عِلميةٍ صارمةٍ تقتضي مِنهُ عَدمَ حصرِ النقدِ في الشَّخْصيات؛ فالحاكمُ ليسَ مِصر، وهيكل وغيرُه ليسُوا أكثرَ من مُجرَّدِ واجهةٍ للنظامِ الناصريِّ والسَّاداتيِّ من بعدِه.
حدد فؤاد زكريا "فلسفةَ هيكل في ثلاثةِ مَحاور؛ هي: في البدءِ كانَ النسيان، وديمقراطيةُ أنا وحْدي، وأخيرًا الوطنيةُ بأثرٍ رَجعي، وعلى هذا أَخذَ فؤاد زكريا ينتقدُ النظامَينِ الناصريَّ والساداتيَّ في آنٍ واحد، مُفنِّدًا ما جاءَ في كتابِ هيكل مما يُمكِنُ أنْ نُطلِقَ عليهِ أساطير هيكل.
وتناول كتاب عمر الغضب العديد من الموضوعات الرئيسية وجاءت فصوله بعناوين “انتقام الأرشيف”، "من الذي يشتم مصر؟"، "لعبة الأحياء والأموات"، "ظروف العائلة أم اختيار مقصود؟"، "التاريخ والحقيقة الضائعة"، "ورثة مصر ونسى!"، "مع السادات على جناح واحد"، "الجذور: "عمنا سام "ـ من الذي هدم هيكل".
تناول المفكر فؤاد زكريا "عبر مقدمته الأسباب وراء تقديمه كتاب "كم عمر الغضب" والتي جاء أولها " تحديد ابعاد الأزمة العقلية السائدة التي يمر بها العقل العربي، إثبات أن المشكلة ليست في هيكل وحده، أو مشكلة التضاد بين هيكل وتلك القوى التي وقفت تحتجج وتعترض عليه، وإنما هي أوسع من ذلك وأخطر، فقد تشوهت أشياء كثيرة في عقولنا، بفعل فترة القمع الطويلة التي لم تسمح لفكرنا بأن ينمو ويتطور بحرية، وإذا كان هذا التشوية قد ظهر بوضوح كامل في معركة "خريف الغضب/ بين أنصار هيكل وخصومة، فان هذه المعركة لم تكن في الواقع إلا مظهر واحدًا لداء أصبح متاصلًا في عقولنا، ولطريقة في التفكير فرضت نفسها على مختلف أطراف الصراع السياسي والاجتماعي الراهن.
يلفت زكريا عبر مقدمته إلى ان الناصريون اعتقدوا أنني لم أقصد، من كل ما كتبت سوى عبد الناصر، واغمضوا عيونهم عن جميع الشواهد القاطعة التي تدل على انني تصديت لأسلوب في الحكم لا لأشخاص، ولم اتعرض لعبد الناصر أو السادات او لهيكل، إلا بقدر ما كانوا يجسدون هذا الأسلوب في فكرهم أو ممارستهم.
لفت فؤاد زكريا إلى أن اعتقد بعض اليساريين أن انتقادي لهيكل، في الوقت الذي كان يخوض فيه معركة ضد المؤسسة الساداتية ، كان نوعًا من السذاجة السياسية التي تؤدي موضوعيًا إلى خدمة المعسكر الساداتي.
وأشار لو كانوا هؤلاء "ويقصد اليساريين والناصريون" قد امنعوا التفكير فيما كتبت؛ لتبين لهم ان النقد الذي وجهته إلى أسس النظام الساداتي كان أكثر فعالية بكثير من انتقادات هيكل؛ ذلك لأن صورة السادة عند هيكل تظل دائمًا مهتزة غير محددة المعالم، فهو يصوره مغامرًا غير وطني في شبابه قبل الثورة، ثم واحدًا من أقرب المقربين إلى زعيم وطني كبير، ثم رئيسًا للبلاد أعطاه هيكل، خلال سنواته الأولى والحاسمة، كل تأييده آملًا أن "يمنحه فرصة" يمحو فيها تاريخ القديم المشين، ثم قائدًا لا يعرف كيف يدير سياسيًا معركته العسكرية الكبرى، ثم زعيمًا متهاونًا ومستسلمًا أمام أعداء الوطن.
ويصف زكريا تلك الصورة بانها صورة خالية من التماسك والاتساق، وما كان من الممكن إلا ان تكون على هذا النحو؛ إذا إن مواقف هيكل نفسه من السادات كانت أبعد ما تكون عن الاتساق، وكانت تتراوح بين التأييد المطلق والعداء المطلق، مع إنكار العداء السابق وقت التأييد، وإنكار التأييد السابق وقت العداء، وهكذا كان الاهتزاز في صورة السادات، كما رسمها هيكل تعبيرًا عن التذبذب الحاد في مواقف هيكل نفسه.