«حلاوة زمان».. صنّاع «العروسة والحصان»: السر فى الخميرة
فى منطقة باب البحر بالإسكندرية، يقف عم أحمد، أحد أشهر صنايعية حلوى المولد النبوى، بمواجهة قدر كبير، وبيده عصا يستخدمها فى تقليب خليط الماء والسكر وملح الليمون، أو ما يعرف بخميرة ملح الليمون، بمقادير محددة تعلمها على يد أسطوات الصنعة قبل 50 سنة، لا تتوقف يد عم أحمد عن التقليب إلى أن يصل الخليط إلى القوام المثالى الذى يبدأ صبه فى قوالب؛ لتخرج فيما بعد الحلوى بعدة أشكال، منها العروسة والحصان باللونين الأبيض والوردى.
يقول صنايعى الحلوى السكندرى، لـ«الدستور»: «سر الصنعة هو الخلطة، وخميرة ملح الليمون لا بد أن تضاف بمقادير محددة، لأن من دونها لن يحدث ما نسميه فى المهنة بالتشميع، فخليط الماء الساخن والسكر سيلتصق بالقالب الخشبى إذا فشلت خميرة ملح الليمون».
ويضيف: «هناك سر آخر يضمن عدم التصاق القوام بالقالب الخشبى، هو غمر القوالب الخشبية فى الماء قبل الاستخدام حتى لا تتشقق بفعل السائل الساخن».
ويتابع: «هناك طرق عديدة لاستخدام عروسة المولد فى البيوت المصرية، مثل وضعها فى مكان بارز فى غرفة الطفل قبل المولد النبوى، ويمكن استخدامها بعد المولد مباشرة، ولكن الكثير من العائلات يتركها حتى تنكسر ليتم استخدامها فى صناعة الحلويات مثل المهلبية وغيرها؛ لاحتوائها على نسبة سكر كبيرة».
لا يذكر عم أحمد أول حصان مولد اشتراه وهو طفل، لكنه يشعر بالسعادة كلما رأى طفلًا أو طفلة تمسك بعروسة أو حصان للمولد، لأنه مشهد ينعش ذاكرته ويذكره بالسعادة التى كان يشعر بها وهو فى سن صغيرة.
داخل مصنع «العربى»، فى القاهرة، يقف على العربى، مالك المصنع، بين العمال ليشرف على إنتاج حلوى المولد، وليتأكد من أن الخطوات تتم بشكل صحيح، يضمن الحفاظ على جودة منتجه.
يقول لـ«الدستور»: «نعمل طوال العام فى تصنيع الحلويات الجافة، لكن قبل المولد النبوى بشهر نبدأ صناعة عروسة المولد التراثية».
ويضيف: «لا يمكن أن تختفى العروسة الحلاوة فى مصر، فهى أصل الاحتفال بالمولد منذ العهد الفاطمى، فالعروسة البلاستيكية موجودة طوال العام، ولكن المصنوعة من الحلاوة هى المرتبطة بموسم المولد النبوى الشريف».
ويتابع: «تراجع الإقبال على العروسة الحلاوة فى القاهرة الكبرى بعض الشىء، لكن فى الإسكندرية ومحافظات الدلتا فهى رمز لأكثر من احتفال دينى مثل رأس السنة الهجرية، والمولد النبوى، وشهر رجب، وليلة النصف من شعبان».
ويوضح «العربى» أن سبب تراجع الإقبال على شراء العروسة الحلاوة هو ندرة الصناع المهرة، مضيفًا أنه يمكن تصنيع العروسة بأى شكل، فمثلًا يمكن تصنيعها على شكل محمد صلاح، كما أنه فى السابق جرى تصنيعها على شكل الفنان الراحل شكوكو.
قصة عشق أخرى بين الصانع والعروسة، بطلها رامى، الذى بدأ تعلم فن صناعة العروسة الحلاوة، قبل 30 سنة من جاره الذى كان يتقن هذا الفن، لتبدأ مسيرته المهنية فى مصنع العربى، ورغم تأسيس عمله الخاص فى الإسكندرية فإنه يبدأ عمله للموسم قبل موعده بشهر ليتفرغ للعمل فى مصنع العربى بالقاهرة.
ويقول: «مراحل التصنيع تبدأ مع النار والغليان، حيث توضع المكونات مع بعضها البعض لتنضج، ثم نصبها فى قوالب خشبية ذات أشكال متنوعة ثم تفريغها؛ لتبقى قشرة سميكة سمكها حوالى 2 سم، ثم التبريد بالماء وفك القوالب وإخراج العروسة لنبدأ مرحلة التزيين».
ويضيف: «هناك عدة أشكال للحلوى، منها العروسة والحصان والسفينة، المنتشرة أكثر فى الإسكندرية، ويختلف نوع التزيين من محافظة لأخرى».
وعن الأسعار، يقول: «تبدأ من 5 جنيهات للحجم الصغير، بينما العروسة البلاستيكية لا يقل سعرها عن 50 جنيها».