رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يدور فى عقل نتنياهو "المطلوب فى المحكمة الجنائية"؟

نتنياهو وجالانت
نتنياهو وجالانت

يمثل إصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت، خطوة غير مسبوقة، لاسيما ضد إسرائيل.

ويأتي هذا القرار وسط اتهامات بارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يفتح الباب أمام تداعيات دبلوماسية وقانونية غير مسبوقة على الساحة الدولية.

ويُثير القرار تساؤلات حول قدرة المحكمة على تنفيذ مذكراتها في ظل الدعم القوي الذي تحظى به إسرائيل من دول كبرى مثل الولايات المتحدة، التي وصفت القرار بأنه غير ملزم.

ويضع هذا التطور إسرائيل في موقف دبلوماسي ربما يكون متوترًا مع الدول التي تعترف بسلطة المحكمة، كما يطرح أسئلة عن تأثير القرار على مستقبل العلاقات الدولية لها، وقدرتها على المشاركة في المشهد السياسي العالمي، وكيف سيتحرك تنتنياهو لتقليل الآثار السلبية الناتجة عن ذلك القرار.

ماذا يعني إصدار أوامر الاعتقال؟

الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، البالغ عددها 124 دولة، ستكون ملزمة باعتقال وتسليم نتنياهو وجالانت إذا دخلا أراضيها.

ومع ذلك، فإن مذكرة الاعتقال ليست سوى جزء صغير من الإجراء القانوني، الذي لا يمكن أن يستمر دون حضور المتهم، لأن إجراءات المحكمة تتطلب حضور المتهمين.

ورغم أنه لا يزال بوسع إسرائيل أن تطلب من سلطة المحكمة النظر في القضية، إلا أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وجالانت يعد خطوة غير مسبوقة، مما يثير تساؤلات حول تأثير ذلك على العلاقات الدولية لتل أبيب، ويضع إسرائيل في موقف دبلوماسي حساس.

ويؤثر القرار على علاقات إسرائيل مع الدول التي تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية، مما قد يحد من تحركات نتنياهو وجالانت دوليًا.

ما الدول المعنية بتنفيذ القرار؟

الدول الملزمة بتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية هي الأعضاء في نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية.

حتى الآن، هناك 124 دولة ملتزمة قانونيًا بتنفيذ مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وتشمل هذه الدول:

1. الدول الأوروبية:

جميع دول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، وغيرها.

2. دول في إفريقيا:

جنوب إفريقيا، كينيا، نيجيريا، وغيرها، رغم وجود جدل سابق حول مدى التزام بعض الدول الأفريقية بتنفيذ مذكرات الاعتقال.

3. أمريكا اللاتينية:

الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، ودول أخرى.

4. آسيا وأوقيانوسيا:

اليابان، كوريا الجنوبية، أستراليا، نيوزيلندا.

5. الدول العربية:

الأردن هو الدولة العربية الوحيدة العضو في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهو ملزم بتنفيذ مذكرات الاعتقال.

كيف سيتحرك نتنياهو تجاه قرار اعتقاله؟

من المتوقع أن يمضي نتنياهو قدمًا في اتخاذ إجراءات موازية لقرار المحكمة الجنائية الدولية، ومنها تشكيل لجنة تحقيق حكومية أو فتح تحقيق جنائي في القضايا التي تناولتها المحكمة.

ومن الممكن أيضًا فتح تحقيق شرطي قد يتحول إلى تحقيق جنائي في حال العثور على أدلة، والتعامل مع تلك الادعاءات بأن الانتهاكات قد تكون ارتكبت ولكن ليست من قبل أشخاص رفيعي المستوى.

نتنياهو أمام تحدٍ كبير في مواجهة قرار المحكمة الجنائية الدولية، وقد يعتمد على مجموعة من الخطوات السياسية والدبلوماسية للتعامل معه.

ومنذ اللحظة الأولى، بدأ نتنياهو في التشكيك في نزاهة المحكمة، وهو سلوك من المرجح استمراره، لتقليل تأثير القرار على صورته المحلية والدولية.

ومن المرجح أيضًا أن يلجأ نتنياهو إلى تعزيز الرواية الإسرائيلية التي تبرر جرائم الحرب التي ارتكبتها حكومته لكسب دعم داخلي ودولي.

وسيلجأ نتنياهو إلى الاعتماد على علاقته الوثيقة مع أمريكا، خاصة ي ظل وجود إدارة دونالد ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب حدييثًا، والتي تدعم إسرائيل، لضمان عدم تنفيذ القرار في الدول الحليفة.

وسيعمل أيضًا على تعزيز علاقاته بالدول الصديقة مثل المجر، والدول التي لا تعترف بسلطة المحكمة الجنائية الدولية، لضمان تحركاته الدبلوماسية دون قيود.

وفي التوقيت ذاته، سيحاول نتنياهو ترويج سرد مضاد للاتهامات والجرائم التي تضمنتها مذكرة الاعتقال بحقه وحق جالانت، وتعزيز وجود إسرائيل في المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لخلق رواية موازية تقلل من تأثير القرار. 

كيف يتم تنفيذ أوامر الاعتقال؟

الدول الأعضاء في المحكمة هي التي يتعين عليها تنفيذ أمر الاعتقال فيما يتعلق بالأشخاص الموجودين على أراضيهاـ ومن بين الدول الأعضاء حلفاء رئيسيون لإسرائيل مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وكندا وأستراليا واليابان.

ويتعين على الدول الأعضاء المساعدة في تنفيذ الأمر بطرق إضافية، على سبيل المثال من خلال الإبلاغ عن تحركات المشتبه بهم، والدول التي لا تتعاون مع الأوامر تتعرض لإجراءات قانونية في المحكمة.

عواقب تتجاوز خطر الاعتقال

يصبح أي تفاعل بين نتنياهو أو جالانت مع قادة الدول الأعضاء في المحكمة معقدا دبلوماسيا، وبالتالي فإن هذا سيجعل من الصعب على نتنياهو أن يجتمع علنًا ​​مع رؤساء الدول الغربية.

وقد يتجنب نتنياهو وجالانت زيارة الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية التي تلتزم بتنفيذ مذكرات الاعتقال، وهو ما يعني مواجهتهما صعوبة في تمثيل إسرائيل في المؤتمرات الدولية أو إبرام اتفاقيات خارجية خوفًا من الاعتقال، ما يعني عزلتهما سياسيا.

ومن الممكن أن تعيد بعض الدول تقييم علاقاتها مع إسرائيل أو تضغط للحصول على تنازلات دبلوماسية منها في ضوء مذكرة الاعتقال ضد نتنياهو وجالانت.

وفي حال تدهورت قدرة نتنياهو وجالانت على السفر للخارج والتفاوض، فقد يتم الدفع باتجاه استبدالهما بقيادات إسرائيلية أقل إثارة للجدل دوليًا.

ويشكل القرار تحديًا خطيرًا لنتنياهو وجالانت، حيث يفرض قيودًا على تحركاتهما ويضعهما في مواجهة ضغط دولي قد يُترجم إلى عزلة سياسية على الساحة العالمية.

ردود الفعل الدولية

هاجمت إسرائيل قرار المحكمة الدولية، حيث رفضت مذكرات الاعتقال ووصفته بـ"المعادي للسامية".

وقال مكتب نتنياهو، في بيان: "ترفض إسرائيل باشمئزاز الإجراءات العبثية والكاذبة التي وجهتها إليها المحكمة الجنائية الدولية".

من جانبه، أكد جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أن مذكرات الاعتقال ليست سياسية ويجب احترامها وتنفيذها.

في السياق ذاته، أعلنت وزارة الخارجية الفرنسية أنها ستدرس التداعيات القانونية للقرار، مشيرةً إلى أن المسألة معقدة للغاية من الناحية القانونية. 

موقف المجر وأمريكا من اعتقال نتنياهو

أما المجر فأعلنت تحديها لقرار محكمة لاهاي، حيث أعلن رئيس الوزراء المجري "فيكتور أوربان" عن دعوته لنتنياهو لزيارة بلاده، مؤكدًا عدم تنفيذ مذكرة الاعتقال بحقه.

الأمر ذاته فعلته الولايات المتحدة، حيث قالت ليندا توماس جرينفيلد سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، إن واشنطن لن تمتثل لأمر المحكمة الجنائية الدولية بإصدارها أوامر اعتقال بحق نتنياهو، مؤكدةً: "دعوني أكون واضحة.. لن نوقفه".

واتهمت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، الأمم المتحدة بـ"التركيز المفرط" على إسرائيل، قائلة إن "هناك قدرا غير عادل من التركيز على إسرائيل".

وقالت: "أعتقد أن لدينا مشكلة مع إسرائيل في الأمم المتحدة، فهناك تركيز مفرط على إسرائيل حتى قبل غزة، وهذا أمر أثرناه بشكل متكرر ومنتظم".

وأضافت: "لا توجد دولة أخرى في العالم تجري بشأنها مناقشة شهرية على جدول أعمال مجلس الأمن منذ عقود مضت"، واصفةً التركيز على إسرائيل في الأمم المتحدة بـ"غير العادل".