المؤتمر الاقتصادى
أنا من الذين يضعون أهمية كبيرة على المؤتمر الاقتصادى الذى دعا له الرئيس السيسى.. أظن أن المشاركين فيه يجب أن يتحلوا بأقصى صراحة ممكنة.. هذه الصراحة هى الطريق إلى مناخ عمل صحى يستوعب جميع الطاقات.. القطاع الخاص قوة جبارة يجب أن تنزل بكل طاقتها للساحة لتضيف للناتج القومى.. ومن أجل هذا يجب أن يسمع الجميع بعضهم البعض.. نحن دائمًا نسمع ملاحظات القطاع الخاص على أداء الدولة الاقتصادى فى آخر سبع سنوات.. ولكننا لا نسمع ملاحظات الدولة ولا الرأى العام على أداء بعض أطراف هذا القطاع خلال العقود الأخيرة من عمر مصر.. أى حوار له طرفان ولا بديل عن الصراحة الكاملة للوصول لمناخ صحى يستفيد فيه الجميع ويستفيد الوطن أيضًا من جهد كل أبنائه.. لا أعرف هل شكاوى بعض رجال الأعمال صحيحة أم لا، ولكن علينا جميعًا أن نسأل ما الذى قاد لهذا الوضع؟.. بعض التحليلات تقول إن سنوات التسعينيات وما بعدها شهدت تداخلًا كبيرًا بين المال والسياسة بشكل خلق مناخًا كاملًا من الفساد، وإن هذا أدى لخروج الناس فى ثورة يناير احتجاجًا على هذا الوضع.. الدكتور محمود عبدالفضيل، عالم الاقتصاد الكبير، وصف هذا الوضع بـ«رأسمالية المحاسيب»، وكان يقصد أن من يحظون بالفرص الاقتصادية هم من يشاركون أقارب المسئولين ويعملون كواجهة لهم.. هذا التداخل والفساد ضد فكرة تكافؤ الفرص وضد قيم الرأسمالية ذاتها.. بعض رجال الأعمال كان يحصل على قروض بتوجيهات من السلطة.. والبعض الآخر لا يتاح له الحصول على قروض.. هذا فى حد ذاته فساد واحتكار لفرص صناعة الثروة.. بعض من تعثر فى سداد القروض تم إعفاؤه و«الطرمخة» عليه والبعض الآخر لا.. وهذا فى حد ذاته فساد.. بعد هذه المرحلة دخلنا فى مرحلة رغبة بعض رجال الأعمال فى حكم البلاد.. قرب بعضهم من دوائر النفوذ جعله يعتقد أنه شريك فى الحكم وأن حصته فى الشراكة يجب أن تكبر.. بعضهم أصبح له إعلامى خصوصى ومثقف خصوصى كما أنه له سائق خصوصى..! هذا كله لا علاقة له بحرية العمل الاقتصادى والتركيز فى الإنتاج.. النموذج الأعظم كان رجلًا عصاميًا مثل الحاج محمود العربى.. لا فساد .. لا قروض.. لا علاقة بسفارات هنا وهناك.. فقط العمل والمزيد من العمل.. نريد أن تُطرح هذه الأمور بصراحة.. بعض رجال الأعمال يتخيل أن حرية المنافسة هى أن يحصل على الامتيازات التى كان يحصل عليها فى الماضى رغم أن معظمها كان بطرق غير شريفة ولأهداف غير شريفة.. هذا غير منطقى.. بعض رجال الأعمال فى زمن الرئيس الأسبق كان أيضًا يحتكر الاقتصاد.. تمامًا مثلما يتهم البعض مؤسسات الدولة الآن.. مطلوب أن يتحدث الجميع بصراحة للوصول لصيغة جديدة.. لا بد أن يحظى رأس المال الخاص بتسهيلات قوية وبضمانات أقوى.. لكنه أيضًا يجب أن يقتنع بأن دوره هو الإنتاج والربح والتصنيع والإضافة للناتج القومى.. علينا أن نبحث عن طرق لاكتشاف مواهب اقتصادية جديدة وإضافة العشرات من رجال الأعمال الجدد المؤهلين.. من المهم جدًا اجتذاب رءوس الأموال التقليدية لأنشطة حديثة ومتطورة.. أموال التجارة التقليدية يجب أن تدخل فى البورصة والبنوك والأشكال الاقتصادية الحديثة.. يمكن تحديد أنشطة صناعية جديدة تتكفل الدولة بعدم الدخول فيها لمدة عشرة أعوام مثلًا حتى لا يشكو القطاع الخاص من مشاركة الدولة.. هذا بالإضافة للمجالات التى تنوى الدولة التخارج منها بالفعل.. إذا أراد البعض أن يشارك فى صفقات الاستحواذ التى تتم على بعض أسهم الشركات العامة فيجب أن تسهل له الدولة ذلك.. من المشاكل التى كانت موجودة فى الماضى عدم تحمل بعض أطراف القطاع الخاص المسئولية الاجتماعية كما ينبغى.. هذا أدى لتشويه صورة رجال الأعمال فى عيون الناس.. رغم أن كثيرًا منهم نماذج إيجابية طيبة وناجحة.. هذه أيضًا من القضايا التى يجب أن تناقش.. من حق القطاع الخاص أن يحصل على كل الضمانات الاقتصادية والقانونية لنشاطه.. لكن رغبة البعض أن يحكموا بـ«فلوسهم» لا تلقى استساغة من المصريين إطلاقًا وأظنها كانت السبب الرئيسى لخروج الناس فى يناير، وبالتالى فمطلوب أن نعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله.. بمعنى أن نعطى ما للسياسة للسياسة وما للاقتصاد للاقتصاد حتى لا نكرر أخطاء الماضى ولا خسائره لا لهذا الطرف ولا لذاك الطرف.. أنا من المؤمنين بأن الحوار يمهد لجبهة وطنية واحدة يلعب فيها كل طرف دوره.. القوات المسلحة دورها جوهرى فى السياسة المصرية أمس واليوم وغدًا والقول بغير هذا إنكار للواقع.. وفى نفس الوقت هى تعى أن المساحة تتسع للجميع كى يشارك ما دام يخلص النية ولا يتآمر ولا يخون ولا يعمل فى الشر، وبالتالى الجيش المصرى يلعب دوره فى القيادة وضمان الاستقرار بمشاركة الآخرين فى الاقتصاد عبر المؤتمر الاقتصادى وفى المشهد السياسى عبر الحوار الوطنى.. هذا هو الطريق الصحيح والآمن لكى نعبر جميعًا.. لأن الأزمة العالمية تواجه الجميع والخسارة إذا حدثت لا قدر الله فستطال الجميع.. نريد أن يسمع كل طرف الآخر كى نبدأ على «مية بيضاء» كما يقول المثل الشهير.. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.