مذكرة النائب العام «محمد نور» تنتصر لـ «طه حسين» وتبرئ ساحته
مذكرة النائب العام محمد نور، والذي حقق مع الدكتور طه حسين، في البلاغ المقدم ضده في العام 1926 إثر نشره لكتاب «في الشعر الجاهلي»، يصفه الروائي خيري شلبي، والذي عثر علي أوراق التحقيق والمذكرة في إحدي محال بيع الكتب القديمة، بأنه: «رجل مثقف ثقافة رفيعة قبل أن يكون رجل قانون ملمًا بقضايا عصره الثقافية والفكرية والعلمية والسياسية والاجتماعية، وله في كل ذلك وجهات نظر عميقة ودراسة ومن هنا كان تحقيقه مع الدكتور طه حسين».
ويذهب «شلبي» إلى أن: «رأي النائب العام محمد نور كمثقف مصري كبير، أن هذه القضية ليست جنائية بالمرة، وأنها قضية غير عادية، وإن الحكم فيها تبعًا لذلك يحسمها لمناصرة الموقف العلمي وحرية البحث العلمي».
وكان النائب العام محمد نور في العام 1927، قد أصدر قرارًا بحفظ قضية «في الشعر الجاهلي» إداريًا، وهو ما يصفه «شلبي» بأنه: «ليس تكييف قانوني أو فتوي قانونية أو محضر تحقيق مقدم للقضاء ضمن وثائق قضية إنما هو بحث علمي أيضًا وصياغة أدبية على مستوى رفيع».
محمد نور نتاج نهضة ثقافية لأفكار طه حسين
ويتساءل «شلبي»: «هل مثل هذا النائب ــ محمد نور ــ صنعته النهضة الثقافية التي كان طه حسين أحد أعمدتها الأساسية أم أن أمثاله هم الذين صنعوا تلك النهضة الثقافية التنويرية؟ الواقع أن هذا التساؤل يشبه التساؤل الشهير: هل خلقت الدجاجة أولًا أم البيضة؟ فهي علاقة جدلية مجهولة البداية.. ولكننا نستطيع الإشارة إلي أن كلا من عصر التنوير الذي سبق النهضة الثقافية في زمن طه حسين، ثم النهضة الثقافية التي كان طه حسين من زعمائها، كأننا كفيلا نتخليق مثل هذه العناصر الإيجابية المشرفة، فطه حسين وهو يجلس ــ بكل ثقله وجلالة قدره ــ أمام هذا النائب العام ــ الذي ربما كان من تلاميذه خارج الجامعة ــ كان في الواقع يجني ثمرة غرسه الطيب، فها هي ــ جهوده وجهود أنداده قد أينعت رجالًا في مواقع السلطة يقدرون قيمة العلم وقيمة العالم وحرية البحث».
«أقول بهرني موقف هذا النائب العام ــ محمد نور ــ كمثقف مصري حر، وضع أمام مسئولية تاريخية فكان في مستواها، ولم يكتف بالبت فيها علي النحو الأمثل، بل سجل موقف للتاريخ فنشر قراره في كتاب».
كيف بدأت قضية «في الشعر الجاهلي»؟
يستهل النائب محمد نور كتيبه الصغير عن قضية التحقيق مع طه حسين عن كتابه في الشعر الجاهلي فيذكر أنه: «في يوم 30 مايو سنة 1926 تقدم الشيخ حسنين الطالب بالقسم العالي بالأزهر ببلاغ لسعادة النائب العمومي يتهم فيه الدكتور طه حسين «الأستاذ بالجامعة المصرية» بأنه ألف كتابًا أسماه «في الشعر الجاهلي» ونشره على الجمهور، وفي هذا الكتاب طعن في القرآن، حيث نسب الخرافة والكذب لهذا الكتاب السماوي الكريم ... إلى آخر ما ذكره بلاغه».
ويلفت «نور»: «وكان من الممكن أن يحفظ هذا البلاغ ولا يلقي اهتمامًا مذكورًا، لولا أنه بتاريخ 5 يونيو 1926 أرسل فضيلة شيخ الجامع الأزهر لسعادة النائب العمومي خطابًا يبلغ به تقريرًا رفعه علماء الأزهر عن كتاب ألف طه حسين المدرس بالجامعة المصرية أسماه «في الشعر الجاهلي» كذب فيه القرآن صراحة .. إلى آخر ما ذكره بلاغه».
وتوالت البلاغات ضد الدكتور طه حسين وكتابه في الشعر الجاهلي، ففي 14 سبتمبر 1926 تقدم بلاغ آخر من حضرة عبد الحميد البنان عضو مجلس النواب ذكر فيه أن حضرة الأستاذ طه حسين المدرس بالجامعة المصرية نشر ووزع وعرض للبيع في المحافل والمحلات العامة كتابًا أسماه «في الشعر الجاهلي».
وكان علي النيابة أن تتحرك، فالمسألة ليست مجري بلاغ من فرد أو اثنين أو ثلاثة، كما أنها ليست من فرد عادي بل من شخصيات لها حيثيات اجتماعية، والواقع أن المسألة لم تكن سهلة ولا بسيطة، فقد كانت تتحرك على أكثر من مستوى.