القرية وزلعة العسل
خليني أحكي لك حكاية القرية مع زلعة العسل الكبيرة.
كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان، مش سالف أوي يعني، المهم، كان فيه قرية تعتمد في عذائها بـ شكل رئيسي على العسل، هو اللي متاح، وهو اللي ممكن يجلبوه، مش ممكن حاجة تانية تحل محله، فـ لابد وحتما من العسل، اللي هو أساسا مش بـ ييجي بـ الساهل.
السما مش بـ تمطر العسل دا، ولا بـ يطلع من باطن الأرض توماتيكي توماتيكي، دا موجود في وادي، يبعد عن قريتنا أربع خمس بلاد وبينهم وديان وصحارى وليلة كبيرة، لازم تعدي في النص على كفر الديابة ونجع الحيتان، وسويقة الكلاب اللي ورا ملقف التعابين، وما خفي كان أصعب.
لازم علشان تجيب العسل دا، تخوض الأهوال مرتين، رايح وجي، وإنت جي كمان أصعب، لـ إنك بـ تبقى شايل، ولازم تحافظ على شيلتك.
السؤال هنا: هل كل واحد في القرية مسئول عن جلب العسل الخاص بيه؟
والله، هو ممكن، إنما برضه ما ينفعش، إنت ما تقدرش تفضل رايح جي بس وخلاص، ما فيه حياة في القرية، وكل إنسان عنده قصته وأسرته وما إلى ذلك، ثم يعني هـ يخزنه فين؟ فـ النظام إنه كل واحد يساهم كل فترة بـ رحلة، ويرجع بـ ما يستطيع من العسل، وممكن مجموعة تروح مع بعض، على أساس يعني كل واحد يكون له مهمة في تلك الرحلة المحفوفة بـ المصاعب والمخاطر، ثم نخزن ذلك العسل في زلعة كبيرة كبيرة، قد برج القاهرة كدا، ونملا منها لـ اللي عايز حسب نصيبه.
فضل الحال ماشي كدا، والأمور تسير، مش سهلة، لكنها تسير، وكله بـ يرزق، وكله عايش، لـ حد ما في يوم ظهر شادي، ودا حد ذكي في القرية، نبيه ولماح ويفهمها وهي طايرة، ويمكن كمان قبل ما تطير، وفكر في فكيرة.
قال لك: إحنا كتير، وأنا لو ما جبتش العسل دا مش هـ يجرى حاجة، هي يعتني جات على شادي؟ وقرر التوقف تماما عن جلب العسل لـ القرية، وخوض الرحلة الحتمية لـ إنتاج ما يجب إنتاجه، لكن هـ تفضل مشكلة: شكلي قدام الناس هـ يبقى إيه؟
آه، إذا كان على شكلي، فـ أنا هـ آخد الأواني اللي المفروض أجيب فيها العسل، وأخرج من باب القرية، وأدخل على طول من باب تاني، وي كـ إني راجع من الرحلة، لكن الأواني دا هـ أملاها ميه من النهر اللي عندنا، وأصب الميه في زلعة العسل، لا النهر هـ يتأثر، ولا العسل هـ يبان إنه فيه حبة ميه، وأبقى نفدت.
هي فعلا لو كانت على شادي كان ممكن تمشي، إنما طبعا فادي صاحب شادي عرف، وبدال ما يواجهه، عجبته الفكرة، فعلا، أنا لو عملت كدا، هـ يجرى حاجة؟ والنبي ما هـ يجرى، ومحدش هـ ياخد باله.
من شادي لـ فادي لـ هادي لـ عبد الهادي، بقى هو دا سلو البلد، وبقت الحركة دي علامة الشطارة والحداقة والمفهومية، وبقت كلها تاخد مية من النهر القريب وتصب في زلعة العسل الكبيرة، وأهو زي ما حضرتك شايف دلوقتي، النهر قرب يجف، والعسل قرب يفسد تماما، ويبقى مية، بس متلحوسة.