حتى لا نحلب ثيراننا!
يقول المثل المصرى «نقول ثور يقولوا احلبوه»!! وهو مثل فى هجاء الذين ينكرون الحقائق أو يتجاهلونها أو يطالبون بنتائج عكس معطيات الواقع.. والحقيقة أن قطاعًا لا بأس به من أهلنا يفكر بهذه الطريقة بدفع من عناصر انتهازية وأخرى إرهابية وثالثة جاهلة.. إن أول طريق للتقدم هو أن نعى عيوبنا كما نعى مميزاتنا.. وأن نفهم واقعنا قبل أن نطلق العنان لأحلامنا.. نحن نحلم بالتقدم ولكننا لا نسعى لتملك مؤهلات هذا التقدم.. لا نريد أن نصنعه ولكننا نريد أن ينزل علينا كمائدة من السماء.. والمشكلة أن زمن المعجزات انتهى بانقطاع الوحى. . على إحدى الصفحات الإلكترونية المؤيدة للدولة وجدت احتفاءً ببدء إنتاج مزرعة نخيل عملاقة تنتج نوعًا مطلوبًا فى الأسواق العالمية.. وجدت كاتب المنشور يتحسب للهجوم عليه ويقول: «هل هذا إنجاز؟.. نعم.. إنجاز».. ومضى ليشرح فوائد المشروع.. أنا طبعًا أعتبر أن المشروع إنجاز.. ولكنه إنجاز مطابق للمقاييس المصرية.. بمعنى.. هل هو إنجاز مساوٍ لافتتاح مصنع لأجهزة الكمبيوتر؟ أو السيارات الكهربائية مثلًا؟؟.. بكل تأكيد لا.. ولكن الفكرة أننا لا نملك العمالة الماهرة التى تصلح للعمل فى هذه الصناعات المتقدمة.. ولا نريد أن نصارح أنفسنا بهذا.. ولكننا بكل تأكيد نملك عمالة تصلح لزراعة النخيل.. لذلك تغزل الدولة «برجل حمار» وتضيف للناتج القومى بالشكل الذى يناسب الواقع المصرى حاليًا.. لقد عاتب أحد الصحفيين «إيلون ماسك» على افتتاحه مصنعًا للسيارة الكهربائية «تسلا» فى الصين، فرد عليه قائلًا: «إنهم يملكون أكبر عدد من المهندسين على وجه الكرة الأرضية»!!! هكذا ببساطة.. حيث توجد عمالة ماهرة ورخيصة يوجد الاستثمار الأجنبى.. الذى أصبح فى عصرنا الحالى المصدر الرئيسى للعملة الصعبة وزيادة الناتج القومى.. فهل نحن نملك هذه العمالة الماهرة.. للأسف لا.. التعليم الفنى لدينا كارثة وبعض مدارسه تُخرج أميين لا يجيدون القراءة والكتابة.. وهذه مأساة عمرها أكثر من أربعة عقود وحلها لا يأتى فى يوم وليلة..
اسأل نفسك مثلًا: لماذا افتتحت «سامسونج» مصنعًا للتليفزيونات فى مصر عام ٢٠٠٩؟؟ لأن لدينا عمالة ماهرة فى الإلكترونيات منذ شركة بنها ١٩٦٥.. ولأن لدينا سوقًا ضخمة وقريبة من أسواق ضخمة.. اسأل نفسك: هل يمكن أن تفتتح «سامسونج» مصنعًا للمحمول لدينا؟ غالبًا لا.. لأنه ليست لدينا عمالة ماهرة تصلح لهذه الصناعة.. الفكرة أن لدينا تيارًا انتهازيًا فى السياسة يقول للمصريين منذ سنوات إن المشكلة فى «الإدارة».. فقط فى «الإدارة»، وهكذا يغرق الناس فى جهلهم وعجزهم منتظرين الحل من غيرهم أو منتظرين تغيير «الإدارة».. وربما تتغير الإدارات فعلًا.. لكن الواقع يزداد وسيزداد تخلفًا.. ما دمنا نغرق فى الإنجاب ونعادى العلم ونكره العمل ولا نسعى للتقدم.. إن هؤلاء «الانتهازيين» وهم سلالة بعضها من بعض يشبهون من يقنع مريض السرطان بأن مشكلته حلها قرص «بنادول» يتعاطاه لتغيير الحكومة.. والحقيقة أن مريض السرطان يجب أن يتعاطى دواء السرطان مهما كان قاسيًا لأنه الأمل الوحيد له فى العلاج.. إن أهلنا فى مصر لا يريدون أن يواجهوا واقعهم تمامًا كما كان الشيخ حسنى، بطل «الكيت كات»، لا يريد أن يواجه واقعه.. إنه رائع.. محب للحياة.. خفيف الظل.. ولكنه أيضًا «أعمى» ومشكلته كما يقول له ابنه «إنه لا يريد أن يصدق أنه أعمى» لذلك يصطدم بحقائق الواقع حوله بدلًا من أن يحاول علاج مشكلته «إذا افترضنا على المستوى الرمزى أن لها علاجًا».. إن هذه هى الحقيقة المرة التى يجب أن نصارح أنفسنا بها بدلًا من أن نعاقب من حاول أن يحل المشكلة وفق معطيات الواقع المصرى.. هذا الواقع الذى فهمه جيدًا راهب الجغرافيا جمال حمدان وتحدث عن «عبقرية المكان» دون «عبقرية الإنسان».. والحق أن الرئيس السيسى لم يفعل شيئًا منذ تولى سوى أنه حاول أن يستفيد لأقصى درجة من «عبقرية المكان» فشق عشرات الطرق والقطارات والموانئ ليربط شرق مصر بغربها أو شرق العالم بغربه، للوصول لأقصى استفادة ممكنة من «عبقرية المكان»، ولا يعنى هذا أنه ليس علينا أن نطور واقع الإنسان بالعلم والتعليم والتدريب، وهو ما يحدث بالفعل، ولكن علينا أن نصبر لأن «الله مع الصابرين».. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.