خالد محيى الدين.. «الشيوعى الأخير» حفيد شيخ الطريقة النقشبندية
خالد محيي الدين، والمولود في مثل هذا اليوم من العام 1922، فارس من فرسان ثورة 23 يوليو 1952، وأحد الستة الأول الذين شكلوا تنظيم الضباط الأحرار بل كان أقربهم إلى جمال عبد الناصر.
اشتهر خالد محيي الدين بمواقفه المبدئية المؤيدة والمحتضنة للديمقراطية ودفع ثمن ذلك باستقالته من مجلس قيادة ثورة اشترك في قيادتها، إلا أن هذه الاستقالة لم تقطع حبال الود والتواصل الإنساني بينه وبين الزعيم جمال عبد الناصر، وهو ما يشير إليه في مذكراته الصادرة تحت عنوان “والآن أتكلم”.
وعن علاقته بـ عبد الناصر يقول خالد محيي الدين: منذ اللحظة الأولى أحسست أنه شخصية قيادية، حتى ونحن شبان صغار كان يفرض على الجميع وضعه القيادي، وكان رجلا بعيد النظر، لا يخطو خطوة إلا بعد حساب دقيق، ليس فقط لتداعياتها، وإنما أيضا لمستقبل هذه التداعيات. ولعلي لست بحاجة إلى أن أستعيد أمثلة تجسد طبيعة وأسلوب هذا الرجل، لكنني سأورد واقعة واحدة كنموذج .
ويوضح خالد محيي الدين: اغتيل الضابط عبد القادر طه، وأحسسنا جميعا أن رجال الملك هم الذين فعلوها، لكنه هو وحده الذي استشعر الخطر المستقبلي، فإذا كانوا قد فعلوها مع عبد القادر طه فلماذا لا يفعلونها مع أي منا؟ وبادر جمال على الفور بالمرور على كل أعضاء “لجنة القيادة” في بيوتهم ليحذرهم من احتمالات الخطر، وليرسم مع كل منا وسائل تأمين لتحركاته، ولحماية منزله. إنه الإحساس بالمسئولية إزاء الآخرين، وإزاء العمل المشترك، الذي يجعلك تتقبل في أعماقك أن يكون صاحبه قائدا.
ــ خالد محيي الدين .. "الشيوعي الأخير" حفيد شيخ الطريقة النقشبندية
يستهل خالد محيي الدين مذكراته المعنونة بـ “والآن أتكلم”، والصادرة عن مشروع مكتبة الأسرة، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، بالحديث عن نشأته الأولى، طفولته المبكرة في منزل جده شيخ الطريقة النقشبندية.
ويشير خالد محيي الدين إلى أنه: "ككل إنسان عندما أخلو إلى نفسي، أجدها في أحيان كثيرة، تعود بي إلى أعماق الذاكرة، لتفترش مساحة حلوة من أجمل ذكريات الطفولة.
بيت شرقي ساحر، فسقية في منتصف الحديقة الواسعة المليئة بالأشجار والورود والتمر حنة، لم يكن بيتا عاديا، إنه تكية السادة النقشبندية، هنا قبر الجد الأكبر لأمي الشيخ الخليفة “محمد عاشق”، هنا أيضا مسجده، ودروايش الطريقة النقشبندية يشغلون الدور الأول من التكية، وأنا ووالدتي وجدي الشيخ "عثمان خالد"، شيخ الطريقة وناظر الوقف، نشغل الدور الثاني.
ــ خالد محيي الدين يحمل اسم جده لأمه
ويضيف خالد محيي الدين: باسم جدي لأمي سميت، وفي رحاب التكية عشت طفولتي، ألهو في حديقتها الرائعة، وأستمتع بعبق حياة دينية سمحة هادئة، والمسجد يعلو فيه الآذان ــ كل يوم ــ خمس مرات، ودراويش التكية ونحن معهم نصلي، أنا أذهب إلى المدرسة، وجدي يشرف على شئون الدائرة في الغرفة المسماة بـ “الديوان”، والدراويش يحيون حياة تعبد تثير الاهتمام، بل لعلها هي التي ألهمتني وحتى الآن هذا الإحساس الرفيع بالتدين السمح المتفاني في حب البشر. وفي رحاب هذا العبق الديني الرائع قضيت أجمل أيام طفولتي .
ــ لماذا ارتبط اسم محيي الدين بكفر شكر؟
ويمضي خالد محيي الدين: أبي كان مقيما في كفر شكر يشرف على زراعة الأرض لثلاثة أيام في الأسبوع تقريبا، ثم يأتي ليقيم معنا، وعندما تنتهي أشهر الدراسة أنطلق إلى كفر شكر لأقيم بجوار “التختبوش” ــ المضيفة ــ في بيت العائلة، هنا تبدو الحياة مختلفة، فالجد محيي الدين تاجر ومزارع شاطر، تاجر في القطن على زمان الحرب الأهلية الأمريكية وكسب كثيرا، وفي كفر شكر اشتري مئات الأفدنة، ولما عادت أسعار القطن إلى الانخفاض تحول إلى زراعة الفاكهة، ويرتبط اسم محيي الدين بكفر شكر، فهو الذي أدخل فيها زراعة العنب والمانجو والبرتقال.
وينتهي الصيف لأعود سريعا إلى دراويش التكية، لأنعم معهم بحالة من السلام النفسي يصعب تكرارها، كانوا متدينين في هدوء، وبلا تعصب، والإسلام محبة للناس وتفان في خدمتهم بلا مقابل، وتناول للحياة في تعفف بلا شره، وبلا ترفع.
ويلفت خالد محيي الدين إلي: كل سكان التكية كانوا يصلون معا في الجامع، فإذا تغيب أحد استحي الدراويش من دعوته للصلاة، فقط كانوا يسألون عن صحته، ولعل المانع خير، فيسرع الغائب إلي المسجد مع أول آذان.
ــ علاقة خالد محيي الدين الهادئة مع الدين
ويشدد خالد محيي الدين في مذكراته ــ والآن أتكلم ــ على: هذه العلاقة الحانية مع الدين ظلت تتملكني حتى الآن، ولم يزل طيف “عثمان” أفندي يمنحني الكثير من السكينة عندما أتذكره وهو يعطي للناس كل وقته كي يعلمهم القراءة والكتابة، ويبدو طوال وقته معهم سعيدا وممتنا لأنهم يقدمون له صنيعا إذ يتيحون له الفرصة كي يتقرب أكثر إلي صحيح الدين.
وكثيرا ما يحلق في خيالي: ماذا لو كنت قد واصلت رحلتي مع الطريقة النقشبندية؟ فعندما توفي جدي “عثمان خالد”، وكنت أيامها ضابطا بالجيش، عرضوا علي مشيخة الطريقة من بعده، لكن عبق الدراويش كان قد اجتذبني نحو التعبد في طريق أكثر رحابة، خدمة الوطن والشعب ككل. واعتذرت عن تولي المشيخة وتولاها ابن خالتي.