«الكاثوليكية» تحيى ذكرى الطوباوى ماركو من أفيانو الكاهن
تحيي الكنيسة الكاثوليكية، اليوم السبت، ذكرى الطوباوي ماركو من أفيانــــــو الكاهن، إذ روى الأب وليم عبد المسيح سعيد – الفرنسيسكاني، سيرته قائلاً: ولد كارلو دومينيكو كريستوفوري يوم 17 نوفمبر 1631م بمدينة أفيانـو بإيطاليا، تلقى عماده في نفس اليوم، ذهب كارلو أولاً إلى مدرسة معلم البلدة، ثم إلى مدرسة كوريتز للرهبان اليسوعيين ، فكان ذا شخصية خجولة متواضعة، فكان يطيب له أن يبقى مخفياً، وإمعانه ونضوجه في الدراسة تحكمان ببطء العقل .
وتابع: ولم يعاملوه بالصبر اللازم فاستولى عليه الفشل. في إحد الأيام اختفى من النزهة، وبعد يومي صوم ومشى شاق إلى كابو استريا، طرق باب الدير للرهبان الكبوشيين وهو متعب جداً، فكان الرهبان يعرفون عائلته، فقال لهم إنه ترك المدرسة ليبشر الأتراك بالإيمان المسيحي. فأرجعوه إلى أهله، لكن الشعور الذي أثر فيه من الدير دام طويلاً.
وأضاف: وفى 21 نوفمبر 1648م انضم للرهبنة الفرنسيسكانية الكبوشية، واختار اسم ماركو، حاول الشيطان أن يخمد شجاعته، هل يمكنه ببنيته النحيفة وصحته الضعيفة أن يتحمل قساوة القانون الفرنسيسكاني؟ كان يتساءل في نفسه عن هذا باضطراب ولم يجرؤ أن يسر بأمره لمعلم المبتدئين خوفاً من أن يطردوه. وإذا بريبه يتضح أمامه بواسطة أحد الرهبان القاسي اللهجة، فقال وكأنه يحكم عليه:" لن تصير راهباً أبداً لأنك لا تصلح لعمل شيء". أخيراً فتح ماركو المسكين قلبه لأبيه معلم المبدئين، فبدد التجربة بتنبيهه وكلماته المشجعة. وقدم ماركو نذوره في 21 نوفمبر 1649م. وسيم كاهناً في 18 سبتمبر 1655م، فكرس نفسه على الفور للوعظ وكانت الجماهير تحتشد حول منبره، لم يكن الأب ماركو معتبراً من الجماهير فقط، بل وفى رهبنته أيضاً.
وواصل: ففي سنة 1670م عينوه رئيس دير لأول مرة. فطلب نجاته من هذا الحمل، وأرسلوه إلى مدينة بادوا . كان الدير ذا شأن كبير هناك، والعائلة الرهبانية مؤلفة من رهبان حارين في الصلاة والصوم، فارتاح ماركو كثيراً لهذا الجو الذي يلائمه وقد تفوق على إخوته الرهبان بكرامته وأمانته في حفظ القوانين بحذافيره. وأرسلوه يعظ عن ضرورة الصوم في التامورا وهي مدينة صغيرة في مملكة نابولي، وكان عيد انتقال السيدة العذراء فرصة مناسبة لنشر الأنوار الاصطناعية والخطب النحوية المنمقة.
وتابع: ذلك النهار كان مخصصاً للوعاظ الكبار، ومع أن الكنيسة للراهبات فكانت ملتقى لكبار القوم وأكثرية راهبات الدير أنفسهن من الأشراف. طلبوا واعظاً من رئيس دير الكبوشيين ، فعين الأب ماركو، فتكلم عن مريم كما يتكلم القديسون بحرارة سماوية وحماس خارق العادة، ففاقت عظته على كل ما سمع أو قيل في كنيسة القديس برودزيم المشهورة، والذى أعطى شهرته منتهاها هو شفاء إحدى راهبات هذا الدير، هذه الراهبة كانت كسيحة منذ ثلاث عشرة سنة وقد شفيت حالما أعطاها ماركو البركة بالصليب، بما أن عائلة الراهبة كانت مشهورة فكان للأعجوبة دوى كبير جداً. منذ هذه البرهة أصبحت حياة رجب الله سلسلة عجائب، كان يصنعها غالباً بتلاوة بركة القديس فرنسيس للأخ لأون. وفى مواعظه كان يشهر حرباً عواناً ضد الخطيئة، ويعظ عن الرذائل والفضائل، عن القصاص والمجد، ليحارب عادات العصر التي كانت تقصد من الوعظ افتتان السامعين وإرضاء رغباتهم، ولهذا السبب بارك الله رسالته بنوع منظور.
وذكر: بالإضافة إلى شهرته المتزايدة كواعظ، زاد من شعبيته لدرجة أن الأساقفة من مختلف الدول الأوروبية بدأوا يطلبون منه الكرازة؛ أصبح الأب ماركو دي أفيانو مسافرًا لا يكل في منطقة فينيتو وفي جميع أنحاء أوروبا، مصحوبًا دائمًا بالشهرة المتزايدة لصنع المعجزات؛ أينما ذهب، تمكن من جمع حشود المحيطات، في كنائس وساحات مدن مثل أنتويرب، أوغوستا ، كولون، ماينز، سالزبورغ، فورمز، للاستماع إلى خطبه التي تميل إلى الاهتداء والتكفير عن الذنب التي أدلى بها باللغة الإيطالية ببضع كلمات ألمانية.
واستطرد: وأراد الإمبراطور ليوبولد أن يجعل ماركو مستشاراً له فكتب الإمبراطور رسالة إلى البابا اينوشنسيوس الحادي عشر فلبى البابا طلبه بكل رضى وتواجد ماركو للعائلة الإمبريالية جعله يحمل أثقل الأحمال، لقد اختلط بكل الأعمال وصارت مكانته أقوى من مكانة أي وزير أو أمير، بل كان مساعد الإمبراطور في العمل وبذكائه وعزمه عوض عما ينقص ليوبولد، كان يصلح أغلاطه ويضطره بل يجبره على العمل مما جعلنا نقول إنه حامل أعباء كل المملكة. وشارك في كل حوادث ذلك الزمان، أجل لقد هيأ ودبر وأتم المهمات التي خرج منها خلاص المسيحية.
وواصل: في عام 1683 عهد البابا إنوسنت الحادي عشر إلى ماركو بمهمة دبلوماسية حساسة للغاية وهي إعادة توحيد الأمم المسيحية لحماية البلاد. قد أتى الأتراك بقيادة محمد الرابع لينتقم من أوربا على رأس جيش مؤلف من ثلاثمئة ألف جندي وهو يطمح بالوصول إلى روما ليجعل من مذبح القديس بطرس في الفاتيكان معلفاً لحصانه. وبسبب انقسام الحلفاء وصل الأتراك إلى بلجراد وفيينا، في غضون ذلك، نجح الأب ماركو في مهمته لتوحيد القوى المسيحية وتجاوز الخلافات القائمة داخلها. كان حضور الأب ماركو ضرورياً لا لإعطاء المشورات والتنبيهات فقط بل خصوصاً لإلقاء السلام والاتحاد بين الأمراء. فأقام ماركو قداسات وصلوات كثيرة من أجل حماية البلاد، فامتطى ماركو حصان الحرب وراح يجتاز الصفوف إلى الأماكن حيث القتال أشد احتداماً، والصليب دائماً في يده.
مختتمًا: وفى سنة 1689م بعد أن أتم ماركو خدمته للجيوش المسيحية، عاد إلى حياته الرسولية، فكان يعظ وشدد إيمان الشعب ويسند كلامه بعجائب لامعة عديدة. ولما قضى ماركو رسالته وحياته في القداسة مرض وتناول المسحة الأخيرة والقربان القدس ونال بركة الحبر الأعظم فمنحه إياها السفير البابوي، وفى 13 أغسطس أنطلق في سلام الرب بحضور الإمبراطور والإمبراطورة، في 29 ابريل 1703م أمر الإمبراطور بنقل جسد ماركو قرب المقبرة الملكية، ولم يعد ماركو منفصلاً عن هؤلاء الشخاص المشهورين إلا بجدار صغير. بعد عملية تطويب طويلة، أقام البابا القديس يوحنا بولس الثاني بتطويب ماركو دافيانو في 27 أبريل 2003م.