فى حضرة الشيخ رفعت
لم يكن شارع يحيى بن زيد مجرد شارع من شوارع القاهرة العتيقة وإنما شهد وجود قمة مصرية خالصة عاشت فيه معظم حياتها، أثرى الحياة المصرية والعربية والإسلامية وشاع ذكره في جموع العالم العربي.
إذا وصلت إلى منطقة السيدة زينب وانتقلت إلى درب الجماميز فإنك سوف تجد شارع يحيى بن زيد وفى بدايته يافطة ليست واضحة مكتوب عليها (حارة الشيخ رفعت)، ففي هذا المكان عاش الشيخ محمد رفعت قارئ القرآن الأشهر في حياة المصريين والذى ارتبط صوته بأجمل المناسبات خاصة في شهر رمضان الكريم.
حياة الشيخ رفعت ليست حياةً عادية إنما كانت منارة لكل إنسان خاصة أنه كان يمتلك تحديًا من نوع خاص حيث فقد الشيخ بصره في صغره وخاض هذه الحياة بلا بصر لكنه ألهم البصيرة لآلاف الناس وهو يتلو آيات القرآن الكريم، وكان نموذجًا ناجحًا لكل من ادعى صعوبة الحياة وعلق فشله على شماعة الأعذار.
في هذا البيت- الذي تهدم الآن وحلت مكانه عمارة كبيرة- عاش الشيخ في منطقة السيدة زينب المحببة لقلوب المصريين، عاش بين بيته وبين مسجد فاضل باشا القريب منه والذي كان يقرأ فيه قرآن الجمعة حيث اشتهر وعرفه جموع المصريين.
لم يكن هذا البيت موضع إقامة للشيخ فحسب وإنما كان ملتقى وصالونًا ثقافيًا يلتقي فيه الأدباء والفنانون والمفكرون من مختلف المجالات، كلهم اجتمعوا على محبة الشيخ، فكان يجتمع فيه العديد من الشخصيات العامة مثل الأستاذ الكبير محمد التابعي، أم كلثوم، محمد عبدالوهاب، نجيب الريحانى وفكرى أباظة وغيرهم من رموز هذا الجيل.
وإذا تأملت الأسماء المذكورة تجد تنوعًا في ألوان الفكر والثقافة، فما بين كاتب ومؤلف وفنان وموسيقى، كلهم اجتمعوا في حب الشيخ رفعت والسماع منه.
كتب الفنان نجيب الريحاني عنه عدة مقالات سماها "نزهة الحنطور مع الشيخ رفعت"، حيث كان يصطحب الشيخ بالحنطور في نزهة ليخفف عنه آلام مرضه، وفى تلك المقالات وصف علاقته بالشيخ رفعت وكيف أنه كان يسمع منه القرآن وأثر في حياته الإنسانية والاجتماعية والعملية حيث قال: "وكنت أذهب إلى هناك فى عديد من أيام الجمع لأسمع هذا الصوت الخالد الحنون، الذى هز كياني، وقلب كل معنوياتي وجعلني أقدس هذه الحنجرة الغالية الخالدة المرهفة وهى ترتل أجمل المعاني وأرقها وأحلاها".
أما الفنان محمد عبدالوهاب فلم يكن أقل من الريحاني إعجابًا وتأثرًا بصوت الشيخ، حيث قال ذات مرة: "أنا صديق الشيخ رفعت حتى يقرأ القرآن، فإذا افتتح التلاوة فأنا خادم تحت قدميه!".
هكذا كان الشيخ محمد رفعت الذى ارتبط بقلوب محبيه كما ارتبطت به قلوب مريديه من جميع أنحاء العالم، فمن منا لم يرتجف قلبه حينما يسمع الشيخ لأول وهلة حينما يذكره الصوت الجميل بلحظات الصباح النقية كما يذكرنا بأيام وليالى شهر رمضان الذى طالما أذيعت فيه آيات من القرآن بصوته العذب.
هكذا كانت مصر وهكذا كانت رموزها.. تنوع وتعارف ونقاش ثرى بين ألوان الفنون والفكر والثقافة والدين.. أنجبت لنا العديد من الرموز والشخصيات التي أثرت في مجتمعنا المصري كما أثرت أيضًا في المجتمع العربي والدولي.