حكاية مقلب دبرته أم كلثوم لـ محمد القصبجى وفرقتها الموسيقية
أم كلثوم، كوكب الشرق، المطربة العربية الوحيدة التي تجمع حول صوتها العرب من المحيط إلي الخليج. بل وكانت الأسر تحرص علي طقس "حفل الخميس"، حيث تبث الإذاعة المصرية حفلاتها. هي هرم مصر الرابع وغيرها من الألقاب التي نالتها ولا تزال مكانتها في قلوب وأسماع عشاقها جيلًا بعد آخر.
كما عرف عن "أم كلثوم" خفة الظل، وسرعة البديهة، وحبها للمرح و"النكتة". ففي عددها السادس عشر الصادر بتاريخ مايو 1950، وتحت عنوان "أشهر المقالب الكلثومية".. تأليف وإخراج. ومن هذه المقالب، نشرت مجلة الكواكب بعضًا من مقالب أم كلثوم مع أصدقائها، وكان من تلك المقالب التي كانت من نصيب الملحن محمد القصبجي.
اعتادت أم كلثوم أن توقع الملحن المعروف الأستاذ "محمد القصبجي" في مقلب حاد في أول أبريل من كل عام. ورغم حرص "القصبجي" الشديد الذي يعد طبيعة في أخلاقه، ورغم أنه لدغ من جحر أم كلثوم أكثر من مرتين، ووطن العزم علي أن يكون أحرص من الحرص بالنسبة لــ أم كلثوم، وخاصة في اليوم الأول من أبريل.
فقد وقع "القصبجي" في مقلب آخر، اضطرت أم كلثوم أن تدبره وترسم خطته كما ترسم الخطط الحربية تمامًا، واستعانت فيه باثنين من الكتاب المعروفين، جعلتهما بمثابة الممثلين في المقلب الذي ألفته وأخرجته للإيقاع بالقصبجي.
ــ المقلب الذي دبرته أم كلثوم للقصبجي مع كاتبين معروفين
ففي أول أبريل من بضعة أعوام، كان القصبجي يجلس في منزله وهو يترقب حديثًا تليفونيًا من أم كلثوم، محاولة إيقاعه في المقلب السنوي المعتاد. وظل القصبجي منتظرًا من صباح أول أبريل حتي اقترب الليل دون أن تتحدث أم كلثوم.. وفجأة رن جرس التليفون، وأسرع القصبجي يرفع السماعة.. ولكن لم يكن المتكلم إلا أحد الكاتبين المعروفين، وكانت صلته بالقصبجي لا تعدو التحيات العابرة. وطلب الكاتب المعروف من القصبجي أن يتفضل بتشريفه في الأوبرج، لتناول العشاء معه وليتحدث في موضوع تعليم فتاة لبنانية جميلة من أسرة كبيرة أصول الغناء والعزف علي العود، وتعمد الكاتب الكبير أن يفهم القصبجي بأن الفتاة ستكون معه، وأنها في غاية الجمال، لأن القصبجي يهيم بالجمال.
وفي الموعد المحدد الذي اتفقا عليه، تأبط القصبجي شهيته وتوجه إلي الأوبرج. وحلس ينتظر، وما هي إلا دقائق، حتي أقبل الكاتب المعروف الآخر، وبعد التحيات والذي منه، قال القصبجي إن زميله الكاتب الأول اضطر إلي التأخر قليلًا لمقابلة بعض الشخصيات الكبيرة، وأنه أرسله نيابة عنه لمقابلة القصبجي حتي يحضر هو. وبعد أن اطمأن القصبجي إلي حديث الكاتب المعروف، نادي الأخير الجرسون وطلب عشاء لاثنين وبعض الشراب، واستطاع إقناع القصبجي بأن يتناول معه العشاء حتي يحضر الكاتب الآخر ومعه الفتاة.
وبعد أن تناول الاثنين العشاء، نهض الكاتب المعروف معتذرًا للقصبجي بأنه سيحدث زميله الكاتب الآخر في التليفون ليعرف سبب تأخره. وكان ذلك آخر عهد القصبجي به، فبعد ربع ساعة طلب القصبجي في التليفون، فلما أمسك بالسماعة، سمع صوت أم كلثوم وهي تقول له: "كل أبريل وأنت طيب يا قصبجي". وداخ القصبجي، ثم داخ مرة أخري حينما قدم له الجرسون فاتورة العشاء.
ــ مقلب "أم كلثوم" لــ أفراد فرقتها
ويمضي المقال مضيفًا عن المقلب الذي دبرته أم كلثوم لأعضاء فرقتها الموسيقية: "ومنذ سنوات- وفي أبريل أيضًا- كانت أم كلثوم علي أهبة إحياء حفلة غنائية في مدينة الإسكندرية، ويبدو أنه عز عليها أن "يفوت" أول أبريل دون أن تمارس براعتها في "شك" مقلبًا واحدًا لأفراد فرقتها الموسيقية جميعًا، إذ اضطرتها بعض الظروف الخاصة إلي تأجيل الحفلة، ولكنها لم تخبر أحدًا من أفراد الفرقة، بل جاءت في اليوم السابق للحفلة وجمعتهم ثم قالت لهم: اسبقوني أنتم في قطر الساعة 7 الصبح بكرة.
ــ ليه يا ست؟
ــ علشان هانعمل بروفة هناك الساعة 4.
وسافر أفراد التخت فعلا في قطار الصباح، وانتظروا أم كلثوم التي قالت لهم إنها ستلحق بهم في الساعة الثالثة. ولكن أم كلثوم لم تحضر. وذهبوا إلي مسرح "الهمبرا" الذي كان مفروضا أن تقام فيه الحفلة، وهنالك عرفوا أن الحفلة تأجلت وفهموا الفولة.