رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من سرقة المخطوطات بدأت فكرة دار الكتب المصرية «الكتبخانة» مع على مبارك

دار الكتب المصرية
دار الكتب المصرية

دار الكتب المصرية أو «الكتبخانة»، والتي وضع قانون تنظيمها ولائحتها الداخلية، في مثل هذا اليوم من عام 1870، وقبل هذه الخطوة جاءت خطوات كثيرة مهدت لهذا الصرح الذي يمثل الأرشيف المصري الوطني، بما يحويه من وثائق وكتب نادرة.

 

وفي كتابه «دار الكتب المصرية.. تاريخها وتطورها»، يشير الدكتور أيمن فؤاد سيد، إلى أنه ونتيجة الجهل بقيمة الممتلكات الثقافية التي تمتلكها مصر وعدم وجود قوانين وتشريعات تحمي هذه الممتلكات وتمنع من الاتجار فيها أو نقلها، بالإضافة إلي تردد الكثير من الأجانب علي مصر وانتشار تجارة الكتب والآثار، أدى كل ذلك إلى تسرب جزء كبير من المخطوطات وأوراق البردي ثم أوراق «جنيزة القاهرة» عرف طريقه إلى مكتبات تركيا وأوروبا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية.

 

وتنبه إلى خطورة ذلك علي باشا مبارك مدير ديوان المدارس، حيث استصدر قرارا في 22 مارس 1870 أسند إليه فيه الخديوي إسماعيل جمع المخطوطات النفيسة التي لم تصل إليها يد التبديد، مما حبسه السلاطين والأمراء والعلماء والمؤلفون علي المساجد والأضرحة ومعاهد العلم، ليكون من مجموع هذا الشتات نواة لمكتبة عامة.

 

وذكر علي مبارك في خططه: ثم ظهر لي أن أجمل كتبخانة خديوية داخل الديار المصرية أضاهي بها كتبخانة مدينة باريز، فاستأذنت الخديوي إسماعيل باشا في ذلك، فأذن لي فشرعت في بناء الكتبخانة الخديوية. وبعد فراغها جمعت فيها ما تشتت من الكتب التي كانت بجهات الأوقاف زيادة على ما صار مشتراة من الكتب العربية والفرنجية وغيرها.

 

وجعلت لها ناظرًا ورتبت لها خدمة ومعاونين، وعملت لها قانونا لضبطها وعدم ضباع كتبها، فجاءت بعون الله من أنفع التجديدات التي حدثت في عهد الخديوي إسماعيل باشا، وحصل بها النفع للخاص والعام.

ــ قانون دار الكتب المصرية ووضع اللائحة الداخلية المنظمة

وفي كتابه «التاريخ الثقافي لمصر الحديثة»، يذهب مؤلفه دكتور وائل إبراهيم الدسوقي إلى أن: «علي مبارك اجتمع في 30 يونيو 1870 بمعاونيه في ديوان المدارس، وقام بوضع قانون الكتبخانة الخديوية ولائحتها التنظيمية، وكانت اللائحة مكونة من 83 مادة تحدد نظام تزويدها بالكتب من كل اللغات، وخدمة زوارها وصيانة محتوياتها، كذلك طريقة نسخ مخطوطاتها ونظام الإعارة، واشتملت اللائحة علي ثلاثة فصول، الأول: يختص بموظفي الكتبخانة ومسئولياتهم. والثاني يختص بالقراءة والكتابة بداخل الكتبخانة، وتحديد شروط القراءة والإعارة. أما الثالث فقد اختص بالخرائط والرسوم». 

 

وقسمت اللائحة إلى أربعة أقسام. الأول: للكتب العربية والأجنبية المطبوعة، وكذلك مجموعات الخرائط، والثاني للكتب المنسوخة بخط اليد (المخطوطات)، والثالث لأرانيك الآلات (النماذج)، أما الرابع فهو للآلات الهندسية والطبيعية والكيميائية.

 

وتقرر فتح الكتبخانة للجمهور طوال أيام السنة، ما عدا أيام الجمعة والأعياد والمواسم الدينية، علي ألا تزيد مدة المطالعة علي ست ساعات علي فترتين متساويتين قبل الظهر وبعده. وبعد صدور الأمر بإنشاء الكتبخانة الخديوية كلف علي مبارك الشيخ راشد أفندي شيخ رواق الأتراك ونائب المحكمة الشرعية، بتجميع كتب مساجد الأوقاف وتخزينها في مكان واحد، إذا ما فرغ من ذلك، أمر علي الببلاوي فقام بتصنيفها وترتيبها والعمل علي وضعها في الأمكنة التي أعدت لها في الكتبخانة.

 

ــ سراي الأمير مصطفي فاضل أول مقر للكتبخانة

لقد تقرر جعل مقر الكتبخانة الجديدة بالطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفي فاضل باشا شقيق الخديوي إسماعيل بدرب الجماميز، وهو القصر الذي كان يشغله في ذلك الوقت ديوان المدارس، وجعل بجانبها مدرسة خاصة بها، سماها "دار العلوم". ورتب علي مبارك للكتبخانة الجديدة ناظرا يدير شئونها وأمينا وكتابا وعمالا.

 

وبدأت الكتبخانة أول عهدها بثلاثين ألف مجلد أغلبها من الكتب ومجاميع الخرائط والمخطوطات النادرة التي جمعت من الأوقاف والميري، وكذلك التي ضمت إليها من الكتبخانة القديمة، وكتبخانتي الأشغال والمدارس، وما جمع من المساجد والمدارس ودور العلم، فيما عدا الجامع الأزهر، فضلا عن مجموعات الكتب الأجنبية التي أهداها حككيان، والتي كانت تخص الجمعية المصرية التي ألفت عام 1836، كذلك أهدت مدرسة الصنائع مجموعة كتب طبع لها فهرس خاص في لندن سنة 1858 باسم «فهرس كتبخانة مدرسة الصنائع»، ويشتمل علي 1272 عنوانا.

 

وأخيرا أتيح الانتفاع بالكتبخانة لجمهور القراء في 24 سبتمبر سنة 1870، وتعد بذلك أول وأقدم مكتبة وطنية في الشرق العربي. وبما أنها كانت تتبع ديوان الأوقاف، فقد أنعم الخديوي إسماعيل عليها بعشرة آلاف فدان للإنفاق من ريعها عليها.