بابا الفاتيكان يلتقى ممثلى السكان الأصليين والسلك الدبلوماسى فى كندا
التقى البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في إطار زيارته الرسولية إلى كندا، السلطات المدنية وممثلي السكان الأصليين والسلك الدبلوماسي.
وفي بداية كلمته وجّه بابا الفاتيكان التحية إلى الجميع معربًا عن سروره لتوجيه كلمة إلى من لديهم مسئولية خدمة سكان هذا البلد الكبير الذي لديه إرث طبيعي رائع.
وأشار البابا إلى أشجار القيقب والتي انتشرت صورة أوراقها مع الوقت لتتحول من علامة كيبيك إلى رمز نجده على علم كندا.
ومن هذا الرمز انطلق البابا فرنسيس في حديثه فقال إن هذه الورقة رغم أنها قد أصبحت رمزًا في زمن حديث نسبيًا، إلا أشجار القيقب تحتفظ بذكرى أجيال سابقة كثيرة قبل وصول المستعمرين الأراضي الكندية.
وذكَّر البابا بأن السكان الأصليين كانوا يستخرجون عصارة هذه الشجرة ليُعدوا منها عصائر مغذية، مضيفًا أن هذا يقودنا إلى اجتهاد هؤلاء السكان المتنبه دائمًا إلى حراسة الأرض والبيئة والأمين لرؤية متناغمة للخليقة، ووصف قداسته هذا بكتاب مفتوح يعلِّم الإنسان أن يحب الخالق وأن يعيش في انسجام مع الكائنات الحية الأخرى.
وشدد البابا فرنسيس بالتالي على أن هناك الكثير الذي يمكن تعلمه من هذه القدرة على الإصغاء إلى الله والأشخاص والطبيعة، وهو ما نحن في حاجة إليه وسط لهاث عالم اليوم متواصل التسارع ما يجعل تنميّة بشريّة بالفعل، مستدامة ومتكاملة، أمرًا صعبًا، ويؤدي إلى مجتمع تعَب وخيبة أمل يصعب عليه العثور مجددًا على مذاق التأمل والعبق الأصيل للعلاقات وروحانية الجماعة.
وتحدث بابا الفاتيكان هنا عن حاجتنا الكبيرة إلى الإصغاء المتبادل والحوار، وذلك للابتعاد عن الفردانية السائدة والأحكام المتسرعة والعدوانية المتفشية، والميل إلى تقسيم العالم إلى صالحين وأشرار. ثم أشار قداسته إلى أن أوراق القيقب تدعونا إلى الاندهاش أمام جمال الخليقة، وإلى الانجذاب إلى القيم الجيدة في الثقافات الأصلية التي تشكل بالنسبة لنا إلهامًا ويمكنها الإسهام في علاج الاستغلال، استغلال العلاقات والزمن إلى جانب استغلال الخليقة، والإسهام أيضًا في تنظيم النشاط البشري القائم فقط على الاستفادة والكسب.
ثم تحدث البابا فرنسيس عما لاقت هذه التعاليم من مخالفة بشكل عنيف، وقال إنه يفكر في المقام الأول في سياسات الاستيعاب والتي شملت أيضًا نظام التعليم الداخلي، ما أدى إلى إلحاق الضرر بالكثير من عائلات السكان الأصليين وهدد لغتهم وثقافتهم ورؤيتهم للعالم. وتوقف البابا عند مشاركة معاهد كاثوليكية محلية عديدة في هذا النظام المقيت وأعرب قداسته عن الخجل والألم، مضيفًا أنه يجدد مع أساقفة كندا طلب المغفرة على الشر الذي ارتكبه مسيحيون كُثر إزاء السكان الأصليين. ووصف البابا بالمأساوي أن يتكيف المؤمنون مع قناعات العالم بدلًا من الإنجيل، وشدد على أن الإيمان المسيحي إن كان قد لعب دورًا جوهريًا في تشكيل أسمى القيم في كندا، فمن الضروري الاعتراف بالأخطاء والالتزام معًا من أجل تحقيق ما أعلم أنكم جميعًا تتقاسمونه، قال البابا، أي تعزيز الحقوق المشروعة للسكان الأصليين ودعم مسيرات الشفاء والمصالحة بينهم وبين غير الأصليين.
وتابع قداسة البابا متحدثًا عن رغبة الكرسي الرسولي والجماعات الكاثوليكية المحلية في تعزيز الثقافات الأصلية من خلال مسيرات روحية محددة تتضمن أيضًا الانتباه إلى التقاليد الثقافية والعادات واللغات والمسيرات التربوية الخاصة، وذلك انطلاقًا من روح إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية.
كما أشار إلى الرغبة في تجديد العلاقة بين الكنيسة والسكان الأصليين في كندا، علاقة تطبعها من جهة محبة جاءت بثمار جيدة ومن جهة أخرى، ومع الأسف، جراح نعمل من أجل فهمها وشفائها.
وأكد البابا في هذا السياق امتنانه بلقائه ممثلي السكان الأصليين في روما أولًا ثم الآن في كندا، وأضاف أن اللحظات المعاشة معًا تركت لديه الرغبة القوية في مواصلة مسيرة أخوية تتميز بالصبر مع الكنديين جميعًا في الحق وفي العدالة للعمل من أجل الشفاء والمصالحة يحفزنا الرجاء.
توقف البابا فرنسيس بعد ذلك عند صعوبة إصلاح تاريخ الألم والازدراء هذا والناتج عن العقلية الاستعمارية، إلا أن هذا يحذرنا من جهة أخرى من أن الاستعمار لا يتوقف بل ويتبدل في بعض المناطق ويتخفي. تحدث البابا بالتالي عن الاستعمار الأيديولوجي مسلطًا الضوء على وجود أشكال هذا الاستعمار اليوم أيضًا تخنق التصاق الشعوب الطبيعي بالقيم وتحاول بتر جذور هذه الشعوب وتاريخها وروابطها الدينية.
وواصل متحدثًا عن موضة ثقافية لا تقبل بالاختلافات، وتهتم فقط بالحقوق الفردية متجاهلة غالبًا الواجبات إزاء من هم أكثر ضعفًا، الفقراء، المهاجرين، المسنين، المرضى والأطفال الذين لم يولدوا بعد.
وتابع بابا الفاتيكان مشيرًا إلى أن تعدد ألوان أشجار القيقب يذكِّرنا بالأحرى بأهمية الجماعة وبضرورة بلوغ جماعة بشرية لا تُجانس بل تتميز بالانفتاح والدمج. وانطلق الأب الأقدس مجددًا من القيقب، حيث لكل ورقة أهمية، مشيرًا إلى أهمية كل عائلة باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع، ودعا بالتالي إلى تثمين العائلة والتي تهددها عوامل كثيرة مثل العنف المنزلي، ولهاث العمل والعقلية الفردانية، التركيز على المسيرة المهنية، البطالة، وحدة الشباب وهجر المسنين والمرضى. وأكد البابا فرنسيس أن لدى السكان الأصليين الكثير مما يمكنهم أن يعلِّمونا حول حماية العائلة.
هذا وأراد البابا فرنسيس في كلمته إلى السلطات المدنية والسكان الأصليين والسلك الدبلوماسي التحدث عن جنون الحرب، والذي علينا أمامه مجددًا تخفيف حدة التضاد وتضميد جراح الكراهية. وأشار قداسة البابا إلى أنه لا يمكن تقسيم العالم إلى أصدقاء وأعداء والتسلح مجددًا، فلن يكون سباق التسلح ولن تكون استراتيجيات الردع ما سيحمل السلام والأمن. أكد البابا أيضًا أنه لا يمكن التساؤل حول كيفية مواصلة الحروب بل حول كيفية إيقافها، كما لا يمكن جعل الشعوب مجددًا رهينة حروب باردة موسعة. هناك بالتالي حاجة إلى سياسات تتميز بالابتكار وبعد النظر للخروج من منطق الأطراف والرد على التحديات العالمية، والتي علينا أمامها، ومثلما تُعلِّمنا حكمة الشعوب الأصلية، النظر إلى سبعة أجيال قادمة. كما تحدث البابا عن تثمين تطلعات الأجيال الشابة إلى الأخوّة والعدالة والسلام.
وفي ختام حديثه سلط البابا فرنسيس الضوء على ما وصفها بكلمة هامة بالنسبة للمنديين، ألا وهي التعددية الثقافية، والتي هي تحدٍ متواصل يتمثل في استقبال ومعانقة المكونات المختلفة المتواجدة مع احترام اختلاف تقاليدها وثقافاتها.
كما شدد بابا الفاتيكان على ضرورة العمل من أجل تجاوز لغة الخوف إزاء الأجانب، وتحدث عن منحهم، حسب قدرات البلاد، إمكانية ملموسة للمشاركة بشكل مسئول في المجتمع، وأشار هنا إلى أهمية الحقوق والديمقراطية. وشدد الأب الأقدس على ضرورة مواجهة العقلية الفردانية، وأشار مجددًا إلى ما يمكن أن تقدمه الثقافات الأصلية من إسهام، هذا إلى جانب الإسهام الذي يُسعد الكنيسة الكاثوليكية أن تقدمه بحكم بُعدها الجامع واهتمامها بأكثر الأشخاص ضعفًا وخدمتها لصالح الحياة البشرية منذ الحبل بها وحتى الموت الطبيعي.