رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عصام الزهيري: برحيل نصر حامد أبو زيد خسرنا مشروع مؤسسة فكرية تجديدية

عصام الزهيري
عصام الزهيري

حول تأثير المفكر نصر حامد أبو زيد في الثقافة العربية، والذي يشهد شهر يوليو ذكري ميلاده ورحيله، قال الكاتب عصام الزهيري: خمسة أيام هي الفارق بين ميلاد د. تصر أبوزيد (10 يوليو 1943) وبين وفاته (5 يوليو 2010). هذا الاتفاق التاريخي بين ميلاد ووفاة المفكر العملاق يذكرنا بالأهمية الخاصة والفائقة لهذا الطراز اللامع من مفكري التجديد والاستنارة، هؤلاء الذين أقاموا صروحهم المنهجية ومشروعاتهم البحثية الخلاقة على أرضية التجديد العقلي وفي أفق التجدد الحضاري، هذا الأفق الذي تلتقي فيه عصارة الموت بنسغ الحياة وتنتج البقاء والخلود عبر التحول و"النشأة الحضارية المستأنفة" بتعبير ابن خلدون. 

وأوضح “الزهيري” في تصريحات خاصة لــ “الدستور”: ولعل هذا التصور الإبداعي الخالق والمنتج نفسه هو ما جعل أجدادنا، أجداد أبوزيد، المصريين القدماء يعتبرون الموت تجددا وخروجا إلى النهار.

وتابع: “عندما أفكر في رحيل نصر أتذكر خسارتنا لمشروعه العملاق الذي طرح فكرته وخطط له أوليا، وبدأ الخطوات التمهيديه في طريق التجهيز له، وهو مشروع مؤسسة فكرية تجديدية تجمع كبار الباحثين في الدراسات القرآنية من أنحاء العالم وتتوفر على تفسير موسوعي حديث للقرآن الكريم، وتستخدم فيه أحدث وأكثر مناهج الإنسانيات تطورا، بكل ما حققته مناهج الإنسانيات من طفرات وقفزات معرفية وحضارية منذ بداية القرن العشرين”.

وتابع “الزهيري”: من لمشروع بهذا الطموح المعرفي الخارق والمتجاوز للازمة الثقافية العربية المستحكمة الآن؟! من لمشروع له كل هذه الضخامة الحضارية المبهرة والتطلب العلمي والمنهجي من بعد نصر؟!. مؤسسات كاملة بأحجام الديناصورات وعقول العصافير، مما يصدعنا سدنتها ليل نهار بدعاوى فارغة حول العلم والفن والميراث والمنهجية ولا نصيب لها من مزاعمها غير الجمود وشهوات التسلط والسيطرة لا تصل أحلامها في أزمنة نومها ودهور غيبوبتها إلى مجرد مداعبة مشروع كهذا فكر فيه نصر أبوزيد ولم يسعفه القدر ليتم مخططه ويضع قواعده، وهو مشروع ينطوي على نواة صلبة لتحول وتجدد حضاري شامل في ثقافة ذات طابع ديني، وتراكم منجزها الفكري تاريخيا حول كتاب الوحي المقدس وعلومه وفقهه وتأويلاته. 

وأضاف: "لم يكن “نصر” إذن مجرد مفكر فرد عملاق، لكنه كان ينتمي فكرا وطموحا ومشروعا إلى طراز نادر جدا في تاريخ الفكر هو المفكر / المؤسسة. وعندما أفكر في ميلاد “نصر” تتداعى لذاكرتي دوما حكاية صغيرة حكاها في حوار طويل له مع الباحثة الأمريكية "أستر نيلسون"، وقعت خلال زيارته لأمريكا مع عجوز صاحبة الشقة استأجرها هناك عندما سألته: من أين انت يا بني؟ فأجابها: من مصر. فقالت: مصر! أين مصر؟ فقال لها إنها مصر هي بلد الأهرامات وأبي الهول والحضارة ذات السبعة آلاف عام. وعندئذ سارعت الأمريكية بالقول أن ذلك يستحيل لأنه حسب الإنجيل الحياة بدأت من خمسة آلاف عام فقط!. وهكذا كان قدر ومصير نصر الذي صنعه - قصدا أو اتفاقا - منذ ولد، أن يكون الابن البصير النابه لحضارة تمتد لأعرق الأزمنة والتواريخ، وأن يتعرضا معا لعمى عميان البصائر". 

واستطرد: "أما منجز نصر الفكري والمنهجي الوافر خلال حياته البحثيه الخلاقة التراكمية، منذ دراسته للماجستير عن تفسير المعتزلة للقرآن، وصدور كتابه الباهر "مفهوم النص" الذي كان الخطوة البحثية والمنهجية الأولى في دراسات "علوم القرآن" بعد جمود دام لأكثر من سبعة قرون إن لم يكن عشرة وأكثر، فلا يسعني ابتسارها او تلخيصها في سطور. كان "نصر أبوزيد" صاحب عقلية منهجية جدلية عميقة وبعيدة الغور كما يليق بوريث شرعي لتراث المعتزلة العقلي، وصاحب أفق فلسفي وروحاني بلا ضفاف كما يليق بوارث عظيم لتراث المتصوفة، وقد قدم في سياق دراسة التصوف درته الفريدة عن الإمام والفيلسوف الصوفي الأكبر "هكذا تكلم ابن عربي". وفيما بينهما قدم لنا د. نصر أبوزيد أقوى وأشمل وأعمق نقد علمي ومنهجي وتاريخي للأصولية في تراثنا الفقهي بدراسته عن الإمام الشافعي وتأسيس الايديولوجية الوسطية".

وشدد “الزهيري” على: لم يكن د. نصر حامد أبوزيد محض باحث أو مجرد مفكر يضاف جهده لجهود طويلة عملاقة سبقته وتلته، لكنه يصدق عليه إلى جانب وصف المفكر / المؤسسة وصفا آخر ربما كان أكثر أهمية هو أنه كان مفكرا مؤسسا أو تأسيسيا. لقد كان هو التلميذ الذي جسد التجسيد الأوفى والأتم لمقولة أستاذه العظيم الشيخ "أمين الخولي": "أول الجديد قتل القديم بحثا". بيقين كبير أؤكد لكم أن نصر يشغل منذ الآن موقع هذه الحجرة التأسيسية العملاقة في هرم التنوير المصري العملاق والفكر المصري الحديث: موقع طليعي ومؤسس في أول الجديد الحضاري المصري والعربي وربما الإنساني والعالمي".