يحاكمون الخيال.. كيف انتقد نصر أبو زيد محاكم تفتيش شيوخ الأدب؟
في مقالات عديدة لنصر حامد أبو زيد تحدث فيها عن محاكمة الخيال من قبل الشيوخ، وكيف أنهم نظروا للادب نظرة إسلامية بحتة بمعنى أن البطل يُقبّل فلانة فلا يصح للبطل أن يفعلها، والعديد من الروايات التي صدرت في هذه الفترة تعرضت لتكفير صاحبها..
التكفير أسهل رد فعل لقتل الكاتب
التكفير ليس موضة حديثة لكنها أسهل رد فعل كانت تمارسه الجماعات الإسلامية والشيوخ بصفة عامة، ويكفي أن يقول شيخ أن فلان كافر لانه فعل كذا وكذا ليتبعه الكثيرون في رأيه، يتبعونه بدون أدنى تفكير أو حتى محاولة تفنيد الاسباب، فقد كانت صورة الأتباع حينها على أن الشيخ هو المبصر الذي يقود العميان للجنة، وبالتالي فطاعته واجبة ونقاشه غير ممكن.
أهل مكة ليسوا أدرى بشعابها
تحدث نصر أبو زيد كثيرا في مسألة نقد الشيوخ للروايات، وكيف يتعامل الشيوخ مع الرواية على أنها محرض على الخطيئة، وليس أنها تناقش حياة كاملة وتنتقد الواقع لتجمله ولتشير إلى مواطن الضعف والقصور في المجتمع، كما أن الرواية "حمالة أوجه" يمكنها أن تشير برمزيات وتكشف بمباشرة، وأنها - في الأخير- إبداع لصاحبها، تناقش العقل وتنير له كثيرا من المناطق المظلمة، وتشككه ليبحث ويصل ويؤمن، ومن هنا فإن تعامل الشيوخ في تلك الفترات كان تعاملا نابعا من قناعة أن كل لفظ أو موقف يجب أن يحاسب، حتى وإن كتبت الرواية برمزية فإن كانت الرمزية تشير إلى ما يجب وقفه وجب وقفه، وبالتالي فإن هذه الأحكام لا تصح لأنها في الأساس محاكمات للخيال".
صولجان الشيوخ
ناقش أبو زيد في مقال له نشر على صفحات مجلة إبداع 1991 هذا الأمر وأن الشيوخ ليسوا بنقاد، وبالتالي فإن الرواية بعيدة عنهم:" كان الشيخ محمد الغزالي هو الذي كتب تقريرا عن رواية "أولاد حارتنا" لنجيب محفوظ – حسب تصريح أدلى به للصفحة الأدبية للاخبار لرئيس الجمهورية عبد الناصر وعلى أساس هذا التقرير تم منع نشر الرواية في مصر".
وفي 1988 فاز محفوظ بجائزة نوبل، وهى أرفع جائزة أدبية في العالم، ولهذا السبب كان لا بد من إعادة النظر في الأمر، حينها شن الكتاب والمثقفون حملة لنشر الرواية، وهنا خرج الغزالي مرة أخرى ليكتب في عموده الأسبوعي بجريدة الشعب:"هذا ديننا"، وتوعد فيه الكاتب والنقاد بشن الحرب من جديد ضد الكاتب والرواية".
هل من الدين أم رأي شخصي؟
يذكر أبو زيد أن أحكام الشيخ على العمل الأدبي يجب أن يقرن فيه توضيح خاص به:"الحكم على العمل الأدبي أو الفني ليس من الدين، إنما هو رأي شخصي يصح معه الخلاف والرفض، مضيفا أن احترام التخصص هو الحل:"احترام التخصص علامة من علامات الرقي التي يجب أن تحرص عليها، وإلا عدنا للعصور الوسطى وما قبلها، حيث الكاهن هو العالم والطبيب والشاعر ومندوب الآلهة، وعدنا إلى عصور محاكم التفتيش حيث رجل الدين هو الفيصل في كل الشئون".