ما بين «الأدونيسيون» و«الدنقليون».. معارك حول أمل دنقل حيًا وميتًا
لأول مرة في حياته عرض أمل دنقل أشعاره على أحد أساتذته وكان شاعرًا، نصحه بأن يترك الشعر لأنه لن يكون شاعرًا أبدًا.
ترك "دنقل" أستاذه وعملا بقناعته، من حفظ ألف بيت شعر صار شاعرًا، حفظ وقرأ كثيرًا من دواوين الشعر العربي، قديمه وجديده.
في العام التالي، عاد أمل دنقل ليقرأ قصائده الجديده على أستاذه مرة أخرى، فأبدى اندهاشه من تقدمه السريع في كتابة الشعر. وقتها أحس أمل دنقل أنه حقق انتصارا في الشعر.
هاجر "دنقل" من قنا إلى القاهرة وهو في السابعة عشر من عمره ليلتحق بالجامعة، ابتعد عنه الشعر لعامين، ثم عاد متأثرا بمحمود حسن إسماعيل، وعبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور، وفي فترة متأخرة بشعر أحمد عبد المعطي حجازي.
روى فواز حجو في مجلة "المعرفة" 2004، أن أمل دنقل ترك وظيفته في الجمارك وتفرغ لكتابة الشعر، لذا عاش في الفقر والحرمان وهو ما ألصق به صفة "الشاعر الصعلوك"، وروى عبد العزيز المقالح، أن أمل دنقل كان في تلك الفترة يعيش في شقة ميدان العجوزة، وقضى بها أسوأ فترات حياته وأكثرها تعبا، ووصل به الحال أن يتبادلا قميص واحد مع صديقه حسن توفيق في الحفلات والسهرات لعدة أشهر، إذا خرج أحدهما انتظر الآخر في المنزل حتى يعود صديقه.
عام 1947 أجرى أمل دنقل حوارا مع مجلة "الأسبوع العربي" في 25 يناير 1974، حكى، أنه عندما عاد إلى كتابة الشعر كان أغلب المثقفين اليساريين المصريين في المعتقلات، وهو ما روج لقصائده بأنها صرخة جريئة، فالتف حوله بعض المثقفين وشجعوه، ونشرت أول قصائده في "الأهرام" 1961.
لم تكن حياة أمل دنقل حافلة بالمعارك الأدبية، نظرًا لحالته الصحية ومرضه الذي أبعده عن هذه المعارك. حتى قبل مرضه كانت الأمور لا تتخطى أكثر من الردود على صفحات الجرائد وهي قليلة. ومنها ما حصل بين ما وصفوا بالـ "أدونيسيون" و "الدنقليون".
كان رأي أمل دنقل أنه يحب أدونيس، لكنه لا يحترم "الأدونيسيون" الذي يحاولون تقليده فيحكمون على أنفسهم بالموت مقدما، ويرتدون عباءته. ولن يكونوا مثله. فليس هناك سوى أدونيس واحد والباقي – على حد تعبيره- تكنسه الأيام.
وفي سوريا، عام 1976، كتب الناقد محي الدين صبحي في كتابه "الأدب والموقف القومي" في باب: "مناضلون لا مسلوبون" عن ديوان "البكاء بين يدي زررقاء اليمامة" بأن اللغة كانت ركيكة منسحقة تحت روح النثر الصحفية، بجانب الفيض الصوري الذي جاء دون ترشيد أو استثمار كنهر أضاع مصبه.
21 مايو، صباح يوم السبت، 1983، غادر أمل دنقل الحياة، فأثيرت ضجة كبيرة على واجهات الصحف والمجلات، كتب بدر توفيق مقالا في جريدة "الرياض السعودية" يصف "دنقل" بأنه كان شاعرا من كتيبة جريدة "الأهرام" الذين كانوا يذهبون ليراجعوا البروفات مساء كل أربعاء، فيلتقون ويتعرفون على بعضهم البعض.
وواصل بدر توفيق مقاله متسائلا عن سبب شهرة أمل دنقل؟ ويرد على نفسه، بأمرين، الأول أنها تعود إلى أسلوبه في التعبير المؤسس على التناظر والتنافر، والثاني، أنه يوظف هذا الأسلوب في تجسيد موقف العرب في صراعهم مع إسرائيل.
لم يورد بدر توفيق حسبما أشار يوسف القعيد في مجلة "الهلال" 1983، الاتهامات التي روجت أن أمل دنقل بدأ شاعرا عموديا وأنه صاحب أسلوب أي طريقة، وصعلوك يقيم في الفنادق لا يفكر أن يكون له بيت، يقيم في الفنادق الرخيصة ثم يغادرها ذات ظهيرة تاركا وراءه ما تبقى من ملابسه المتواضعه في حقيبة متهالكة، بالإضافة إلى أنه يعرف نقاط الضعف في الناس فيشن عليهم هجومه، وعدواني جارح سليط اللسان.
وحكى القعيد" أنه كتب ذات مرة مقالا عن أمل دنقل وهو في فراش المرض، فالتقاه شاعر من أبناء جيل بدر توفيق، وقال له: "ألا يوجد عندكم سوى أمل دنقل، ما هذا الذي تفعلونه مع جيل كامل من أجل شاعر واحد؟!".
دافع الدكتور لويس عوض عما كُتب عن أمل دنقل، وأبدى استغرابه واستعجابه مما كُتب، وتساءل: "من قال إن الشاعر أو الفنان على وجه الخصوص من المفروض أن يكون إنسانا عاديا له بيت وله مواصفات الإنسان العادي الباحث عن وظيفة وعن قدر من الاستقرار؟".
واستنكر الهجوم، لماذا الآن بعد وفاته بالذات؟ هل الرغبة في فض سرادقات العزاء التي أقيمت له حتى بعد وفاته؟