صورة وتعليق.. أيقونات فصلت الثالوث القدوس فرفضتها الكنيسة
نشر الأنبا نيقولا أنطونيو، مُطران طنطا للروم الأرثوذكس، عدة أيقونات فصلت الثالوث القدوس عن بعضه ليصبح ثلاث ألهة، وهو ما يُخالف العقيدة المسيحية، فرفضتها الكنيسة، كما أعطى مفهومًا عن الثالوث القدوس في العهد القديم.
وقال إن الثالوث المقدس هو قصة تقليدية للأيقونة الأرثوذكسية، ولكن بما أن التصوير المباشر لله سيكون خرقًا لمفهوم الأبدية، وعدم الفهم المُعبر عنه بكلمات يوحنا الإنجيلي: "اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ" (يو ١ : ١٨)، لذا في المسيحية من المعتاد استخدام الصور الرمزية للثالوث المقدس في العهد القديم.
للكشف عن هذه الصورة، تقليديًا لجأ رساموا الأيقونات إلى صورة المشهد الموصوف في سفر التكوين في الأصحاح 18 من الآية 1 إلى الآية 18، التي يُطلق عليها "ضيافة إبراهيم"، وتخبر هذه الآيات كيف أن إبراهيم رأى بعيون روحيّة في صورة الزوار الثلاثة، الذين وصلوا إليه ورآهم عند بلوطات مُورَة وهو جالس في باب خيمته، ظهور الله بنفسه، مما جعله يُقدم كرم الضيافة الأعظم إليهم.
هذا المشهد للزوار الثلاثة كان الأساس التقليدي لرسم أيقونة الثالوث في العهد القديم، التي أصبحت تقنيتها التعبيرية الرئيسية.
أيقونة سراديب الموتى الرومانية:
في القرن الثاني ظهرت الأيقونة التي فيها ثالوث العهد القديم، لأول مرة، على جدران سراديب الموتى الرومانية، حيث قام المسيحيون الأوائل بتقديم خدمات إلهية سرًا هربًا من السلطات الوثنية، وهذه الأيقونات لم تتطابق مع القوانين التي أُنشئت في القرون اللاحقة، وتبدوا المشاهد المعروضة عليها تاريخية تمامًا، ولكن بالفعل في هذه الفترة، حاول الفنانون غير المعروفين في رسمهم للضيوف الثلاثة لإبراهيم التأكيد على تشابههم جميعًا.
أيقونة قوس النصر:
بالإضافة إلى أيقونة الثالوث المقدس التي على جدران سراديب الموتى، وُجدت واحدة أخرى من أقدم أيقونات الثالوث المقدس في العهد القديم هي فسيفساء من القرن الخامس على قوس النصر في كاتدرائية سانتا ماريا ماجيوري الرومانية، وتكوين الأيقونة معقد للغاية، فيتم تقسيمها إلى قسمين: في القسم العلوي منها؛ يظهر إبراهيم، الذي ركض لمقابلة الزوار الثلاثة، وأحد الزوار الثلاثة محاط بهالة مشرقة- رمز القداسة، وفي القسم السفلي منها؛ هناك مائدة يجلس خلفها الضيوف ويصور سيد البيت إبراهيم مرتين، مرة يخدم الضيوف ومرة أخرى يُعطي تعليمات لزوجته سارة، بينما الخلفية في القسم الثاني هي لهيكل غني مع برج، وبيت إبراهيم عند بلوطات مُورَة التي عندها إلتقى إبراهيم الزوار الثلاثة.
أيقونة أندريه روبليف:
واحتل عمل روبليف لأيقونة الثالوث المقدس في العهد القديم، الذي تم إنشاؤه في القرن الخامس عشر مكانة خاصة وأصبح أحد الرموز الروسية الأكثر شهرة، بتمثيل الزوار الذين زاروا إبراهيم على هيئة ثلاثة ملائكة جالسين وراء المائدة وأجنحتهم غير منفصلة، وعلى المائدة كوب واحد فقط ذو معنى رمزي يوجه العقل المشاهد إلى وحدة الأشخاص الثلاثة في الطبيعة والجوهر والإرادة، وليس من قبيل المصادفة أن خلفية الأيقونة، خلف شخصيات الملائكة، هي بيت وشجرة وجبل.
صورة هذه الخلفية مليئة بالمعنى الملموس: "الملاك على اليسار" يرمز إلى الأقنوم الأول "الله الآب"، ويشار إلى ذلك من خلال صورة المنزل الموضوعة فوقه- مسكن إبراهيم، والتي تتوافق مع اللحظة الأولى للوعد الإلهي لإبراهيم (أبرام) أن يعطيه أرض كنعان بعدما صنع وصية الرب بأن خرج من حاران مكان شكيم إلى بلوطة مُورَة (تكوين الأصحاح 12).
و"الملاك في الوسط" يرمز إلى الأقنوم الثاني "ابن الله" (يسوع المسيح)، ويشار إلى ذلك من خلال الشجرة في أعلى الأيقونة، شجرة بلوط مُورَة، التي تُكَرَس بشكل غير مباشر كشجرة حياة، وعليه ليس أدنى شك في أن ابن الله الشخصية المركزية التي ركز عليها الرسام في الأيقونة.
أما "الملاك على اليمين" فإن الجبل المرسوم فوقه يرمز إلى الصعود الروحي، الذي يتحقق من خلال الأقنوم الثالث "الروح القدس"، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأيقونة مليئة بالسمات الرمزية، معبرة عن العقيدة المسيحية الأساسية.
وتقليديًا يعتقد أن الملاك الذي في الوسط يصور يسوع المسيح، ويده اليمنى بأصابع مطوية يرمز إلى الطاعة غير المشروطة لإرادة الآب، والملاك الذي على اليسار هو شخصية الآب يبارك الكأس التي لابد أن يشربها الابن لخلاص البشرية جمعاء، كما رأى بعض المفسرين، بينما رأى مفسرون آخرون أن الآب يبارك ما يحتويه الوعاء الذي الطاولة، وذلك هو سر، وهذا هو دم يسوع المسيح، وهذه لحظة نبوءة عن المستقبل، تجسد ابن الله ومعاناته، ويصور الملاك اليمين الروح القدس، ويطغى على موافقة الآب والابن ويريحه الذي سيضحي بنفسه قريبًا.
تجدر الإشارة إلى فكرة أخرى مهمة تُعبر عن "الثالوث في العهد القديم"، وكان أندريه روبليف في خليقته الرائعة حقًا قادرًا على خلق نموذج أولي للوحدة الحقيقية والمحبة، وشخصياته خالية من الحركة النشطة مليئة بالتواصل الصامت، كأنها مغمورة في التأمل غير المنقسم، أمام أعين المشاهد تأتي عملية توصيل الطاقة الإلهية الموجودة في أقانيم الله الثلاثة.