«اللوحة اتسرقت تاني».. عندما استعانت «الثقافة» بدجال لفك لغر «زهرة الخشخاش»
في كتابها "المشاهير.. أسرار وحكايات"، الصادر عن دار سما للنشر والتوزيع، تروي الكاتبة الصحفية مريم جبل حكاية سرقة لوحة زهرة الخشخاش التي رواها الكاتب الصحفي الراحل محمود صلاح.
تقول مريم في:"في ثمانينات القرن الماضي استيقظت مصر على خبر سرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود خليل بالزمالك، أحد أكبر أثرياء مصر الذي كان معروفًا بحبه لاقتناء اللوحات العالمية، جمع أغلاها وأقيمها من أنحاء العالم، وعاش لهوايته وفي النهاية تزوج خادمته ثم مات بعد أن أوصى بإهداء جميع مقتنايته الثمينة لمصر، وبالفعل تحول منزله إلى متحف يحمل اسمه.
كان الخبر يقول إن اللوحة التي رسمها الفنان العالمي فنسنت فان جوخ قد سرقت من المتحف بطريقة غامضة، وفشلت الأجهزة الأمنية في العثور على الفاعل، بل إن وزارة الثقافة استدعت أحد المشعوذين الذين يفتحون «المندل» لمعرفة اللص، لكن الدجال فشل ولم يعرف سوى بعض المسروقات التافهة التي اختفت من المتحف.
يروي الصحفي الراحل محمود صلاح تفاصيل القضية فيقول: كانت لوحة أزهار الخشخاش تقدر قيمتها بحوالي 4 ملايين جنيه، وبعد سرقتها تضاعف الرقم فى الأسواق العالمية، وطلب منى الاستاذ سعيد سنبل مدير تحرير أخبار اليوم أن أكتب عن السرقة الشهيرة وكان الجميع قد كتبوا فماذا سأكتب.
ذهبت إلى المتحف أولًا وكانت مفاجئتى اكتشاف عدم وجود كاميرات أو أجهزة إنذار، ففكرت وقررت أنى إذا كتبت ستكذبنى جهات مختلفة فقررت أن أجرى على الطبيعة محاولة لسرقة المتحف لأؤكد عدم وجود كاميرات أو إنذار واستدعى ذلك أن أقوم بعدة زيارات لرصد المكان وتحديد الحراسة وعليه فقد وضعت خطة لسرقة المتحف.
واصطحبت معى المصور الراحل عادل حسنى أحد أشهر مصورى أخبار اليوم، كنا فى الشتاء وكان حرس المتحف الذين لا يتعدون 3 عساكر يخرجون ليلًا لشرب الشاى من بائعة قريبة من مقر المتحف وبعيدًا عن أنظارهم تمكنت أنا وصديقى من دخول المتحف ثم دخلنا من نافذة خشبية أرابيسكك قمت بكسرها وبالداخل وجدت لوحة للفنان «رينوار» استخدمت كرسى خشبى صعدت عليه وخلعت اللوحة وزميلى يقوم بالتصوير ولم يكن معقولًا أن أسرقها بالفعل فأنا صحفى ولست حرامى.. ثم فأعدت اللوحة لمكانها.
وعدت إلى جريدتى ونشرت المغامرة في نفس الأسبوع فانقلبت الدنيا وعرف الجميع أنه لا توجد أجهزة إنذار ولا كاميرات ولا يحزنون، فكان من الطبيعى أن تصدر وزارة الثقافة قرارًا بتخصيص المتاحف بالأجهزة المطلوبة عدنما اكتشفوا من تحقيقى الصحفى أن المتاحف فى مرمى السرقة وقد نشر كل ذلك.
بعدها بفترة فوجئت بموظفة استقبال أخبار اليوم تخبرنى أن شاب طلب مقابلتى فقابلته وقال لى إنه اللص الذى سرق أزهار الخشخاش.. قال لى إن اسمه حسن العسال وأنه بن عائلة محترمة ولكن أصدقاء السوء قادوه للانحراف وعلموه السرقة التى تفوق فيها حتى إنه كان يرتدى فى سرقاته حذاء باليه فهو شاب رشيق يستطيع القفز من البيوت والنوافذ.
قال لى العسال إن شخصًا يعمل مرشد سياحى طلب منه سرقة «اللوحة» مقابل 100 جنيه فسرقها وابتسم ضاحكًا وهو يقول لى: لقد قرأت مغامرتك.. هل تعرف أنك نفذت خطة السرقة الحقيقية بالحرف لدرجة دخولك من نفس الشباك.
وكان العسال قد تاب عن السرقة وأحب فتاة من شبرا وتزوجها وأنجب منها طفلة، وكان من المفروض على أى لص تائب أن يجرى كل شهر لقاء مع مفتشى المباحث المسئول عن متابعته، فذهب العسال فى موعد المتابعة للعميد محمد عبد النبى، وكانت معه طفلته وفوجئ بالضابط يقوم بتصرف إنسانى، وأرسل لشراء شيكولاته لطفلته فتأثر العسال بالموقف واعترف للضابط بأنه سارق زهرة الخشخاش وعلى استعداد لإعادة اللوحة وكشف العصابة ورئيسها، بشرط واحد: تدبير كشك سجائر ليعيش منه وبالفعل وبموافقة وزير الداخلية آنذاك تمكن العسال من الإيقاع بالعصابة وسجل أحاديثهم تحت إشراف البوليس وأعيدت «زهرة الخشخاش» وكان رئيس العصابة قد نجح فى تهريبها إلى الكويت داخل حقيبة شقيقه الذى كان يعمل مدرس هناك وأعيدت اللوحة وتم صرف مكافآت لجميع الضباط الذين عملوا فى القضية لكننى فوجئت بعدها «بحسن العسال» يدخل مكتبى قائلًا سوف أسرق اللوحة مرة ثانية وقال قد صرفوا المكافآت لا تعسهم ولم يمنحونى كشك السجائر.
وجدت نفسى أنهض من مكتبى واصطحب العسال للبنك الأهلى وهناك سحبت من تحويشة عمرى التى لا تزيد عن 8 آلاف جنيه، 4 آلاف وأعطيته المبلغ وكانت نشأت بيننا صداقة حميمة وتأكدت أنه تاب بالفعل ولن يعود أبدًا للسرقة وكان يزورنى فى بيتى لكنه لم يكن يدخل أبدًا من الباب بل دخوله كان دائمًا من النافذة وكان يقول أنه يفعل ذلك حتى لا يزعج أطفالى النائمين وعندما رويت للعملاق مصطفى أمين قصة اللص التائب طلب منى أن أدون مذكراته وانشرها على حلقات فى أخبار اليوم وهذا ما حدث، لكن حسن العسال عاش بين نارين نار عصابات السرقة التي كانت تضغط عليه للعودة لأنه حرامى شاطر وبين نار رجال المباحث الذين لم يقتنعوا بتوبته ويصرون على أن يجعلوه مرشدًا على اللصوص.
لم يستمع العسال إلى هؤلاء وكانت النهاية أن سدد له أحد رجال العصابات طعنة في جنح الظلام سقط على إثرها صريعًا، وجلست أكتب قصته وأبكيه فى مقاله كان عنونها «سلام يا صاحبى» والغريب أن السنوات مرت وقبل سنوات قليلة دق هاتفى وفوجئت بأن المتحدث هو فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق يسألنى: محمود اين حسن العسال الآن قلت له العسال مات وشبع موت خير فى إيه.. القى بخبر قنبلة فى وجهى «أصل لوحة الخشخاش اتسرقت تانى وأيضًا وفى هذه المرة لم تستطع الدولة العثور على لص «أزهار الخشاش» حتى اليوم".